إغلاق الوكالات البنكية بالمغرب: بين منطق الربحية وغياب العدالة المجالية
ن : عمر مرية بالكوجا
في وقت تتزايد فيه الانتقادات حول جودة الخدمات البنكية في المغرب، كشف بنك المغرب عن معطى مقلق: إغلاق 152 وكالة بنكية خلال سنة 2024، مقابل افتتاح 39 وكالة فقط. هذا التراجع أدى إلى تقلص الشبكة الوطنية إلى 5701 وكالة، بعد أن كانت 5814 وكالة سنة 2023.
هذا التوجه لا يُقرأ فقط من زاوية التغيرات الهيكلية في القطاع، بل يعكس أيضاً فشلاً واضحاً في السياسات التوسعية السابقة. فخلال السنوات الماضية، دخلت المؤسسات البنكية الكبرى في سباق غير محسوب لافتتاح الوكالات، بدافع “تنافس رمزي” أكثر منه استراتيجية مدروسة.
مصادر من القطاع البنكي ترجِع هذه الظاهرة إلى ما يسمى بـ”المنافسة غير المعقلنة”، حيث فتحت بنوك كبرى كالبنك الشعبي المركزي والتجاري وفابنك عشرات الوكالات دون دراسة جدوى دقيقة أو تقييم لاحتياجات المناطق المستهدفة. ومع مرور الوقت، تحولت العديد من هذه الوكالات إلى عبء مالي، ما دفع إلى إغلاقها في إطار سياسة تقشفية متأخرة.
لكن الإشكال لا يقف عند سوء التقدير المالي. فهذه الموجة من الإغلاقات تطرح تساؤلات أعمق حول مدى فهم المؤسسات البنكية لدورها المجتمعي، خاصة في بلد لا تزال فيه فئات واسعة، خصوصاً في المناطق القروية والهامشية، تفتقر إلى أبسط الخدمات المالية.
الرهان على الرقمنة لتبرير هذه الإغلاقات يبدو قاصراً هو الآخر، إذ تشير آراء عدد من المهنيين إلى أن جزءاً كبيراً من المغاربة لا يملكون بعد الثقة أو الكفاءة الرقمية اللازمة للتعامل مع الخدمات البنكية عن بعد، ما يجعل من الإغلاق الكثيف للوكالات مخاطرة اجتماعية.
في التفاصيل، أغلقت الشركة العامة المغربية للأبناك 41 وكالة خلال سنة واحدة، تلتها مجموعة البنك الشعبي بـ39 وكالة، ثم البنك المغربي للتجارة والصناعة بـ20 وكالة، فيما اكتفى التجاري وفابنك بإغلاق 9 وكالات فقط. ويرجع متابعون هذا التفاوت إلى اختلاف نماذج التدبير، حيث تطبق بعض البنوك، خاصة تلك ذات الأصول الفرنسية، نموذجاً صارماً يرتكز على الربحية الصافية دون اعتبار للبعد المجتمعي.
ما يعمق الأزمة هو التفاوت الجهوي الكبير في توزيع الوكالات البنكية. إذ تحتضن جهة الدار البيضاء-سطات وحدها أكثر من 28% من مجموع الوكالات (1612 وكالة)، بينما لا تتوفر جهة كلميم-واد نون سوى على 58 وكالة فقط، في مفارقة تطرح أسئلة جدية حول عدالة توزيع الخدمات البنكية ودور المؤسسات المالية في تحقيق التنمية المجالية.
في النهاية، فإن إغلاق الوكالات البنكية في المغرب لا يمكن اعتباره مجرد إجراء تقني داخلي، بل هو مؤشر على أزمة تصور أعمق يعيشها القطاع البنكي، الذي يبدو ممزقاً بين منطق الربحية ومتطلبات الشمول المالي. أما المواطن، فغالباً ما يكون الخاسر الأكبر، بين خدمات محدودة، مكلفة، ومتفاوتة الجودة.