المنظمة الوطنية لحقوق الإنسان تصدر بيانا بشأن احتجاج أرباب سيارات الإسعاف الخاصة بأكادير
في سابقة خطيرة وغير مسبوقة، عرفت مدينة أكادير وقفة احتجاجية أمام مقر القيادة الجهوية للوقاية المدنية، قام بها عدد من أرباب سيارات الإسعاف الخاصة، رفعوا خلالها مطالب اعتُبرت صادمة وخطيرة على السلم المجتمعي وعلى مبدأ الحق في الحياة. إذ طالب المحتجون بمنع عناصر الوقاية المدنية من نقل المرضى والمصابين نحو المستشفيات العمومية، معبرين عن امتعاضهم من “منافستهم” في مجال تقديم خدمات الإسعاف.
إن المنظمة الوطنية لحقوق الإنسان ومحاربة الفساد، وهي تتابع هذا المستجد المقلق، تسجل بأسف بالغ أن هذه الوقفة لا تستقيم لا قانونًا ولا أخلاقًا ولا إنسانيًا، وتشكل سابقة تهدد الأمن الصحي للمواطنين، كما تضرب عرض الحائط قيم التضامن الوطني والمسؤولية الجماعية في حالات الطوارئ والكوارث والحوادث.
فمن غير المقبول أخلاقيًا ولا قانونيًا أن يُطالب بمنع جهة عمومية مخولة بحكم القانون والواجب الوطني من تقديم المساعدة للمصابين، فقط بدعوى “المنافسة” أو “الخسارة المالية”. إن الأمر يتجاوز كل المنطق، ويكشف عن أزمة قيم حقيقية تحتاج إلى وقفة جادة من كافة الأطراف المعنية.
إن عربات الوقاية المدنية لا تشتغل في إطار الربح، بل تشتغل لإنقاذ الأرواح وتقديم الخدمة الاستعجالية في الزمن الحرج، بينما تشتغل سيارات الإسعاف الخاصة في إطار نشاط تجاري حرّ، وهو أمر مشروع حين يحترم الضوابط القانونية والأخلاقية، لكنه يصبح خطرًا حين يتم استعماله للضغط أو للحد من تدخلات الجهات العمومية المنقذة.
وعليه، تعلن المنظمة ما يلي:
1. تنديدها القوي بهذا الشكل من الاحتجاج الذي يحمل في طياته دعوة مبطنة إلى التخلي عن الأرواح في حالات الخطر.
2. اعتبارها أن هذا المطلب يشكل سابقة قانونية خطيرة تستدعي تدخل الجهات القضائية للتحقيق في خلفيات هذا التصعيد غير المفهوم.
3. دعوتها وزارة الداخلية ووزارة الصحة والحماية الاجتماعية إلى فتح تحقيق إداري شامل لتحديد المسؤوليات، ومراجعة دفاتر التحملات المتعلقة بتسيير قطاع سيارات الإسعاف الخاصة.
4. مطالبتها بسن قوانين صارمة لضبط وتنظيم قطاع سيارات الإسعاف الخاصة، تشمل التأهيل المهني الإجباري، المعايير التقنية للسيارات، واحترام أخلاقيات المهنة، بما يضمن خدمة صحية متكاملة وآمنة.
5. تأكيدها على أولوية المرفق العمومي في التدخل العاجل باعتباره الضامن الوحيد للمصلحة العامة، ولأنه يشتغل بمنطق الواجب لا بمنطق الربح.
6. تحذيرها من تنامي ظاهرة “خصخصة الأزمات الصحية” وجعل حياة المواطن رهينة للقدرة الشرائية.
7. دعوتها إلى إطلاق حملة توعية وطنية حول دور الوقاية المدنية وحقوق المواطنين في الحصول على الإسعاف المجاني في حالات الطوارئ.
أسئلة مشروعة تطرح نفسها:
كيف يُعقل أن يُمنع عنصر من الوقاية المدنية من نقل مصاب بدعوى أنه “أخذ زبونًا” من سيارة إسعاف خاصة؟
هل أصبحت الحياة البشرية سلعة قابلة للمزاد بين الفاعلين في القطاع الصحي؟
من يتحمل مسؤولية أرواح قد تُزهق بسبب تأخر أو منع تدخل رجال الوقاية المدنية؟
لماذا لم تتدخل السلطات الإدارية والمنتخبة لوقف هذا العبث في مهده؟
أين هو دور المراقبة المؤسساتية في تنظيم قطاع حيوي كهذا؟
توصيات المنظمة:
إطلاق مسطرة زجرية فورية في حق كل من دعا أو شارك في هذا التحريض على عرقلة العمل الإنساني.
فتح نقاش وطني موسع حول مستقبل قطاع النقل الصحي الخاص، وتحديد حدود تدخله دون المساس بالصالح العام.
تعزيز إمكانيات الوقاية المدنية من حيث المعدات والموارد البشرية لمواجهة الطلب المتزايد على تدخلاتها.
تحفيز المجتمع المدني على التصدي لمثل هذه الممارسات والوقوف إلى جانب قيم التضامن الوطني.
مراسلة كل من والي جهة سوس ماسة، عامل عمالة أكادير إداوتنان، وزارة الداخلية، وزارة الصحة، والوكيل العام للملك قصد فتح تحقيق عاجل.
ختامًا، نذكر أن كرامة المواطن وحقه في الحياة لا يمكن أن يكونا موضوع تفاوض أو مزايدة أو “احتجاج تجاري”. وندعو الجميع إلى تغليب المصلحة العامة على الحسابات الشخصية، خاصة عندما يتعلق الأمر بأرواح الناس.
خاتمة موسعة للبيان:
إن ما جرى أمام مقر الوقاية المدنية بمدينة أكادير لا يمكن اعتباره مجرد وقفة احتجاجية عادية، بل هو ناقوس خطر يدق أبواب الضمير الجماعي، ويكشف عن خلل عميق في فهم أولويات المجتمع ومرجعية المهن ذات البعد الإنساني. فعندما تصبح حياة المواطن موضوع جدل بين منطق الخدمة العمومية ومنطق الربح التجاري، نكون أمام معادلة غير متوازنة تهدد استقرار النسيج الاجتماعي وتضرب في العمق مبادئ التكافل الوطني.
إن المنظمة الوطنية لحقوق الإنسان ومحاربة الفساد تعتبر أن هذه اللحظة تتطلب وقفة وطنية مسؤولة، يعاد فيها الاعتبار لدور المرفق العمومي، خصوصًا في مجالات ترتبط بالحق في الحياة والصحة والكرامة. كما تدعو جميع الفاعلين، من سلطات محلية، ومهنيين، ومجتمع مدني، وإعلام، إلى التصدي لهذا النوع من الممارسات التي تسعى لتحويل الخطر إلى فرصة تجارية، وتحويل المواطن في لحظة ضعفه إلى رقم في معادلة مادية جافة.
لا يمكن لمجتمع يسعى لبناء دولة الحق والقانون أن يسمح بابتزاز غير مباشر لحياة الناس، أو بفرض منطق السوق في وقت يكون فيه الإنسان في أمسّ الحاجة للتكفل والرعاية والنجدة. فالوطنية الحقة تُقاس في لحظات الاستغاثة، والمهنية تُقاس في قدرة العاملين في القطاع الصحي والإسعافي على تغليب الضمير الإنساني فوق كل اعتبار.
وبهذه المناسبة، تجدد المنظمة التزامها المبدئي واللامشروط بالدفاع عن حقوق المواطن، وبالوقوف سداً منيعاً ضد كل محاولة لخصخصة الحق في الحياة أو تقزيم دور مؤسسات الدولة. كما نؤكد استعدادنا الكامل لمواصلة النضال الميداني والمؤسساتي، محليًا ووطنياً، حتى يتم رد الاعتبار لمبدأ العدالة الصحية والكرامة الإنسانية.
نهيب بالجميع أن يدركوا أن الأرواح لا تُقايض، وأن واجب الإسعاف لا يُؤجل، وأن من يُعطل النجدة شريك في المأساة. فلنحفظ لهذه البلاد روحها الإنسانية قبل أن تضيع في زحمة المصالح والصفقات.