شمال إفريقيا.. روسيا تغيّر بوصلتها نحو المغرب البوابة الاستراتيجية للقارة السمراء
في خطوة تُعدّ مؤشراً على تحوّل استراتيجي في السياسة الخارجية الروسية تجاه شمال إفريقيا، كشفت موسكو عن ملامح رؤية جديدة لعلاقتها بالمغرب، تُعلي من موقع الرباط كشريك محوري وبوابة آمنة نحو عمق القارة الإفريقية.
هذا التحول عبّر عنه بوضوح فلاديمير موروزوف، نائب رئيس جامعة العلاقات الدولية التابعة لوزارة الخارجية الروسية (MGIMO)، الذي أجرى زيارة رسمية إلى المغرب منتصف أبريل، ضمن وفد روسي رفيع المستوى.
وفي حوار مع صحيفة “موسكوفسكايا غازيتا”، أكد موروزوف أن الزيارة التي امتدت من 14 إلى 17 أبريل 2025، عرفت تنظيم لقاءات استراتيجية مع مسؤولين مغاربة ومؤسسات أكاديمية، وأثمرت تفاهمًا حول بناء علاقة ثنائية “متشابكة”، تبدأ من التعليم العالي ولا تنتهي عند مشاريع الطاقة والتكنولوجيا.
الوفد الروسي زار جامعة محمد الخامس بالرباط، كما عقد لقاءات موسعة مع معهد التدريب والبحوث الدبلوماسية التابع لوزارة الخارجية المغربية.
وقال موروزوف إن هذه اللقاءات أبرزت “رغبة متبادلة في تعزيز الشراكة الأكاديمية”، تتجاوز التقليدي من تبادل طلابي إلى تعاون يشمل الأساتذة والباحثين وتنظيم فعاليات علمية مشتركة.
وأضاف المسؤول الروسي: “اتفقنا على توقيع مذكرات تفاهم وتنظيم سلسلة ندوات عن بعد عبر الفيديو، كما لمسنا اهتمامًا مغربيًا واضحًا بتوسيع آفاق التعاون في مجال البحث العلمي”.
كما عبّر موروزوف عن أمله في أن يفتح المغرب أبوابه للطلبة الروس، خصوصًا من المتخصصين في العلوم السياسية والدبلوماسية، لما للمملكة من تنوّع ثقافي واستراتيجي يثري التكوين الأكاديمي.
التقارب بين العاصمتين لا يقتصر على البعد الأكاديمي، بل يمتد أيضًا إلى قطاعات اقتصادية حيوية. فقد كشف موروزوف عن اهتمام روسي متزايد بالسوق المغربية، خاصة في مجالات النفط والغاز والتكنولوجيات الحديثة، مشيرًا إلى أن شركة “ياندكس”، عملاق التكنولوجيا الروسي، بدأت فعليًا مشاريعها بالمملكة.
وقال: “من المتوقع أن يتوسع الحضور الروسي في المغرب خلال المرحلة المقبلة، في ظل مناخ استثماري واعد وجاذب”.
في قراءة أعمق لهذا التحول، يرى المحلل السياسي الروسي يوري سفيتوف أن التقارب الروسي-المغربي يأتي ضمن رؤية موسكو لإعادة التموقع في النظام العالمي الجديد، حيث لم تعد العلاقات محصورة في الغرب التقليدي.
وقال في تصريح لموقع “غراجدانسكي سيلي.رو”: “الدول العربية اليوم تبحث عن تنويع تحالفاتها، وروسيا تمثل خيارًا استراتيجيًا يُعيد التوازن لعلاقاتها الدولية”. كما شدد على أن التعليم وتكوين النخب يُعدان من أبرز أدوات القوة الناعمة، وهو ما تجاهلته روسيا لسنوات بعد تفكك الاتحاد السوفياتي.
وأضاف: “إذا تغير هذا التصور اليوم، فعلينا أن نرحب بذلك، لأن الطالب الذي يُكوَّن في روسيا سيكون جسر تفاهم دائم، وليس مجرد متلقٍ للرواية الغربية”.
في ضوء هذا التوجه الروسي الجديد، تبرز الرباط كشريك مرن، قادر على الجمع بين أدوار اقتصادية ودبلوماسية وأكاديمية. ففي وقت تتراجع فيه مساحة النفوذ الفرنسي في الساحل والصحراء، وتُعاد صياغة توازنات المتوسط، تُرسّخ المملكة موقعها كمنصة إقليمية موثوقة لاستقطاب القوى الدولية الصاعدة.
التحول الروسي نحو المغرب ليس فقط إشارة دبلوماسية، بل اعتراف ضمني بمكانة الرباط في المعادلات الإفريقية والمتوسطية. فبينما تراهن موسكو على المغرب كممر آمن نحو إفريقيا، تراهن الرباط بدورها على شراكات متعددة الروافد، تُراكم فيها رصيد القوة الناعمة إلى جانب الثقل الاستراتيجي.