فاتح ماي يوم للنضال والاحتجاج لا الاستعراض والاحتفال
يعد فاتح ماي من كل سنة تقليدا عماليا أمميا، ترتبط هويته الجوهرية بتخليد مقاومة الطبقة العاملة، من خلال حشد ورص الصفوف للنضال ضد توحش الرأسمال الذي لا يتوانى عن مص دماء العمال دائرة الإنتاج، والعاملات في دائرتي الإنتاج وإعادة الإنتاج لمراكمة الأرباح وفرض الشقاء والبؤس عبر خلق ديمومة الشروط التي تجبر الكداح على بيع قوة عملهن/م.
تعود جذور فاتح ماي إلى نهاية القرن التاسع عشر، حيث عرفت الحركة العمالية نشاطا قويا بالولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا.
وكانت أحداث 1 ماي عام 1886 في شيكاغو يوما تاريخيا؛ حيث نظم العمال احتجاجات للمطالبة بتحسين ظروف العمل، وقوبلت بقمع دموي أدى إلى مقتل وجرح العديد من العمال.
ليصبح هذا اليوم خلال السنوات اللاحقة محطة خصصتها النقابات العمالية لتخليد كفاح العمال، وحفظ هذه الأحداث في الذاكرة العمالية بغرض تعزيز التمسك بالنضال من أجل الحقوق العمالية.
إن أهمية فاتح ماي لا تكمن في حفظ الذاكرة فقط وإلا سَيُفرغ من هويته لتصبح مجرد بكاء على الأطلال، وكأن رأسمالية 2025 لها جوهر آخر غير الاستغلال والقهر.
إن الأهمية الحقيقية لهذا الحدث هي تأكيد الارتباط الجوهري بمطالب العاملات والعمال، عبر تفكيك كافة بنى القهر والتوحش. وحشد همم النضال لأجل تفجير معارك حقيقية، وتوطيد أواصر التضامن حتى لا يتم الاستفراد بالمعارك ونسفها.
فاتح ماي محطة لتعميق الفهم حول كيفيات اشتغال النظام الرأسمالي، وآليات مراكمته لأرباحه عبر استغلال النساء ليس فقط في دائرة الإنتاج بل في دائرة إعادة الإنتاج أيضا، هذه الدائرة التي توفر له خلق الحياة والثروة بإخضاع النساء عبر كافة بناه الايديولوجية الرجعية الذكورية.
فاتح ماي محطة للتفكير الجماعي في ما تعيشه الفئات الواسعة في النموذج المغربي، حيث البطالة معممة، وجيوش المعطلين ملقاة على هامش الإنتاج الرأسمالي، وعاجزة حتى عن إيجاد فرصة بيع قوة عملها. وهو ما يجعلنا بالضرورة ملزمين بالتفكير في القطاع غير المهيكل كصورة واضحة عن الهشاشة التي تواجه بشكل يومي استبداد السلطة الإستبدادية وسياسة التشريد والقمع.
تخليد فاتح ماي يجب أن يخرج من دائرة الاستعراض الموسمي التي تم خندقته فيها. ليسترجع هويته الحقيقة ويسلط الضوء على ضرورة النضال لأجل تحصين المكتسبات، وتفجير معارك حقيقية منطلقها الأساس هو مواجهة شرسة لكافة السياسات النيوليبرالية التي تهضم حقوق العمال والعاملات، وتصادر حقهن/م في الإضراب عبر تجريمه بغرض فتح الطريق نحو مزيد من الإفتراس والتوغل والتغول. وهو ما لا ينفصل عن تحفيز النضال العمالي لأجل الحق في أجور عادلة، وساعات العمل العادلة أيضا فضلا عن توفير ظروف عمل آمنة وانسانية، من خلال توفير نقل حافظ للكرامة عكس ما تواجهه العاملات الزراعيات نمودجا. فضلا عن حفظ كافة حقوق العاملات (رخص الامومة والرضاعة – توفير الحاضنات وغرف الرضاعة في أماكن العمل ـ مواجهة نزيف الابتزاز والاستغلال الجنسي – المساواة في الأجور – تحصين الحريات النقابية والسياسية ….الخ)
الفاتح من ماي هو فرصة سانحة لتعزيز التضامن الاجتماعي، عبر توحيد الجهود للتضامن والتعاون في سبيل تحقيق العدالة الاجتماعية والاقتصادية. دون أن نغفل كون هذه المحطة ذات أهمية للتذكير بالمهام الجسيمة الملقاة على عاتق الخط النضالي الكفاحي وعلى رأسها تفكيك وفهم التحولات الاقتصادية والاجتماعية، وقطع طريق مسلسل التعاون الطبقي الذي تنهجه البيروقراطية النقابية وهو ما يخلق فصلا مقيتا للنقابي عن النسائي.
ختاما، إن فاتح ماي مناسبة عمالية لمواصلة النضال ضد السحق الطبقي. عبر الالتزام النظري والعملي بخدمة مهام الوفاء لهموم الطبقة العاملة، وتأكيد هويتنا النسوية التحررية التي ترى تحرر النساء تكسيرا للسقف الزجاجي، بل هدما وتكسيرا لأغلال الهيمنة والاستغلال خدمة لمهام التحرر لأجل التحرر الفعلي من كافة أشكال الهيمنة والاستغلال التي تنتجها الرأسمالية والذكورية كوجهان لعملة واحدة.