عندما يذبح الأمل بدل الأضحية !؟ والواقع المغربي بين نار الغلاء وسيف الفساد

Imou Media6 يونيو 2025
عندما يذبح الأمل بدل الأضحية !؟ والواقع المغربي بين نار الغلاء وسيف الفساد

عندما يذبح الأمل بدل الأضحية !؟ والواقع المغربي بين نار الغلاء وسيف الفساد

ن : عمر بالكوجا

في مغرب اليوم، لم يعد العيد مجرد مناسبة دينية تعلي من قيم التضامن والرحمة، بل تحول عند فئات واسعة إلى موعد مع الألم، والدّين، والاستدانة، والتضحية بالكرامة بدل الأضحية. موسم عيد الأضحى هذه السنة كان كاشفا، ليس فقط لتردي الوضع الاجتماعي والاقتصادي، بل أيضا لانهيار الثقة في المؤسسات، وتفكك الوعي الجماعي، وسط صمت رسمي قاتل وتواطؤ شبه ممنهج للفساد.
نعم عندما يغيب الوعي يولد الاستغلال والأزمة لم تعد فقط في الجيوب الخاوية، بل في العقول التي قادها الاستهلاك الأعمى نحو حافة الانهيار. مواطنون أنهكهم الغلاء، ومع ذلك أصروا على اقتناء الأضاحي بأي ثمن، في ظل تحكم “الشناقة” والجزارين، وضعف رقابة الدولة، بل وتخليها شبه التام عن دورها الحمائي.
ما حدث يُظهر أننا نعيش أزمة وعي جماعي، تفتح الأبواب أمام الاحتكار، وتشرعن للغش، وتسمح باستمرار استغلال الفقراء من طرف فئة صغيرة تتحكم في السوق بلا ضمير ولا محاسبة.
نعم الملك يبادر لكن لسوء الحظ اللشعب يخذل؟
وفي سابقة رمزية ذات دلالة، أعلن صاحب الجلالة الملك محمد السادس عن عدم قيامه بذبح الأضحية هذا العام، في رسالة واضحة لضرورة ترشيد النفقات في ظل أزمة اقتصادية خانقة. غير أن جزءًا كبيرًا من الشعب تجاهل هذه الإشارة، واختار المظاهر بدل الجوهر، والمباهاة بدل الحكمة، وكأننا نعيش في جزر معزولة، لا في وطن واحد يقتسم المصير والتحديات.
هل حقا السياسة في قفص الاتهام ؟ يبدو الجواب قريب الى نعم ،

إذ كيف يمكن أن ننتظر من شعب فقد الثقة في نُخبه، أن يبني سلوكا جماعيا راشدا ؟
إن الشلل السياسي في المغرب اليوم لم يعد خفيا: حكومة توصف بـ”حكومة الكفاءات”، لكنها بلا رؤية اجتماعية واضحة، تكتفي بالتبرير والتسويف، وتفشل في ضبط السوق، أو محاربة الغلاء، أو حتى التواصل الصادق مع المواطنين.

أما البرلمان والأحزاب السياسية، فقد تخلوا عن دور الوساطة والاقتراح، ورضوا بلعب دور الكمبارس في مشهد مليء بالتناقضات، بينما تتسع الهوة بين النخبة والشعب.
حقا الفساد سرطان في مفاصل الدولة والفساد في المغرب لم يعد استثناء ، بل صار قاعدة غير مكتوبة.
من الصفقات العمومية، إلى تدبير الجماعات المحلية، إلى رخص النقل، والتوظيف، والمناقصات، وحتى الخدمات الاجتماعية كل شيء قابل للبيع.
هذا الواقع يجعل الحديث عن العدالة الاجتماعية مجرد وهم، ويُفرغ الشعارات الحكومية من مضمونها.
تعليم يحتضر، وصحة مريضة والمدرسة العمومية، التي كانت يوما مصعدا اجتماعيا، أُفرغت من محتواها، وأصبحت ملاذا اضطراريًا للفقراء فقط. المناهج متجاوزة، التكوين ضعيف، والبنية التحتية مهترئة. وهذا كله يؤدي إلى إنتاج جيل غير مهيأ لسوق الشغل، ولا حتى لحياة المواطنة.
أما المنظومة الصحية، فهي أقرب إلى كارثة إنسانية. المستشفيات العمومية تعاني من نقص فادح في الأطر والتجهيزات، والدواء صار رفاهية، فيما يحوَّل المرضى إلى سلعة في يد المصحات الخاصة، أو إلى ضحايا للإهمال والانتظار القاتل .
واصبح ذاك العقد الاجتماعي الذي يربط بين الشعب والدولة مفقود ، وفي ظل هذا الواقع المتشابك، تبقى المسؤولية مشتركة:
الدولة مسؤولة لأنها فشلت في توفير الحد الأدنى من العدالة والكرامة.
والحكومة مسؤولة لأنها لم تتفاعل مع الأزمة بشجاعة وصدق.
والشعب مسؤول أيضا، لأنه تراجع عن أدواره في الرقابة والمساءلة، واستسلم لليأس أو التواطؤ أو العادة.
ما يفتقده اليوم ليس فقط المال ولا المؤسسات، بل نموذج مجتمعي عادل، يقوم على الحق والواجب، على المواطنة لا الزبونية، وعلى التضامن لا الأنانية.
نعم، الأمل موجود، لكنه لن يتحقق بالكلمات، ولا بالشعارات.
بل يحتاج إلى إصلاح سياسي حقيقي يعيد توزيع السلطة والثروة، ويكافح الفساد من جذوره، ويضع المواطن في صلب السياسات العمومية، لا في هامشها.
كما يحتاج إلى إعلام حر، وتعليم نزيه، وعدالة مستقلة، ومجتمع مدني قوي.

فمغرب العدل والكرامة ليس حلما مستحيلا، بل خيار سياسي وثقافي يمكن تحقيقه، فقط إن توفرت الإرادة، وتحركت القلوب والعقول.

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Comments Rules :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.