التدريب بالمملكة المغربية اختبار صامت لنجاعة التكوين وجدية الدولة

Imou Media2 يونيو 2025
التدريب بالمملكة المغربية اختبار صامت لنجاعة التكوين وجدية الدولة

التدريب بالمغرب اختبار صامت لنجاعة التكوين وجدية الدولة

ن : عمر بالكوجا

في نهاية كل سنة جامعية أو مرحلة دراسية، يتكرر نفس المشهد في بلادنا: آلاف الطالبات والطلبة، من مختلف التخصصات والمستويات، ينطلقون في رحلة البحث عن تدريب ميداني (stage)، بوصفه حلقة أساسية في مسار التكوين، لا تكتمل الشهادة بدونه. غير أن هذا المسار المفترض أن يكون جسراً نحو المستقبل، يتحول في كثير من الأحيان إلى رحلة مرهقة، لا تليق بشباب في طور التهيؤ لتحمل مسؤوليات الغد.

والسبب؟ أن التدريب في المغرب لا يخضع لإطار قانوني موحد، باستثناء إشارات متناثرة هنا وهناك، تاركًا الباب مفتوحًا للاجتهاد والتأويل من طرف كل مؤسسة على حدة، سواء في القطاع العام أو الخاص. وهو ما خلق تفاوتًا صارخًا، بل أحيانًا نوعًا من العبث، في التعامل مع هذه المرحلة الحساسة من التكوين.

فالتدريب ليس لحظة عابرة في الحياة الأكاديمية، بل هو مناسبة لترجمة المعارف النظرية إلى ممارسات عملية، والاطلاع عن كثب على بيئة العمل بما تحمله من فرص وتحديات وتفاعلات يومية. كما قال الفيلسوف التربوي جون ديوي: “التعليم ليس استعدادًا للحياة، بل هو الحياة ذاتها. والتجربة هي جوهر كل تعلم.”

ومن دون تدريب فعلي وجاد، تبقى المعارف معلقة في الهواء، والطالب عرضة لاصطدام قاسٍ مع الواقع المهني لاحقًا. كما تجد المؤسسات نفسها في مأزق عند تقييم الكفاءات أو استقطاب الطاقات الجديدة.

المفارقة أن التدريب لا يخدم الطالب فقط، بل يخدم المؤسسة كذلك. إنه فرصة لاختبار الكفاءات المستقبلية، واستكشاف مهارات جديدة، وضخ دماء شابة في فرق العمل. وكما قال بيتر دراكر: “أفضل وسيلة للتنبؤ بالمستقبل هي أن تصنعه… والتدريب هو أول خطوة نحو بناء هذا المستقبل داخل المؤسسة.”

لكن هذا التصور المتقدم يبدو غائبًا عن غالبية مؤسساتنا، التي إما ترفض استقبال المتدربين، أو تستغلهم لسد خصاص في مهام إدارية هامشية لا علاقة لها بتخصصهم، أو تقبلهم على سبيل المجاملة وتتركهم دون تأطير أو متابعة. والأسوأ أن بعض المؤسسات تمنح “شهادة تدريب” لمن لم تطأ أقدامه مقرها قط. إنها مهزلة مزدوجة، تضر بالطالب أولًا، وبالمجتمع ثانيًا.

فهل يمكن أن نحلم بسياسة وطنية واضحة المعالم في مجال التدريب، تلزم المؤسسات العمومية والخاصة باستقبال نسبة سنوية من المتدربين، وفق دفتر تحملات موحد يحدد الحقوق والواجبات، ويضع معايير التقييم والتأطير ..

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Comments Rules :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.