بين الكلام والفعل: ازدواجية عبد الله البقالي الصادمة في “بودكاسته” تكشف تناقضاته الصارخة
بقلم : محمد بوبكر
في “بودكاسته” الأخير على حسابه بمنصة “يوتيوب”، خصّص عبد الله البقالي حلقته بالكامل لـ”الفيديو الفضيحة”، الذي تورّطت فيه ما تُسمّى ‘اللجنة المؤقتة لتسيير شؤون الصحافة والنشر”، والتي استهدفت الصحافي حميد المهداوي بشكل مباشر.
خلال الحلقة، سعى البقالي إلى التنصّل الفجّ من مسؤولياته، ومن أفعال اللجنة، محاولاً فكّ الارتباط عن القرارات الانتقامية، التعسفية، والمنحرفة التي صدرت ضد المهداوي، وأشعلت غضب الجسم الصحافي الوطني، والمتابعين، والرأي العام، إضافة إلى الصدى الدولي الكبير للفضيحة.
ورغم أن السياق كان يفرض الالتزام بالنزاهة الفكرية، والشجاعة الأخلاقية، اختار البقالي الهروب إلى الأمام، وتعمّد التفلت من أي مسؤولية مهنية أو أخلاقية، ورفض تقديم استقالته الفورية حين جرى الاعتداء على صلاحياته كرئيس للجنة منح بطاقة الصحافة، بعد أن أجهضت اللجنة المؤقتة قراره القاضي بمنح البطاقة للمهداوي، الذي استوفى، بشهادة البقالي نفسه، جميع الشروط القانونية.
ويرى متابعون أن استقالة البقالي في تلك اللحظة كانت ستكون خطوة شجاعة تُحتسب له، لكنه فضّل الصمت والانبطاح، مستغلاً التعويضات وامتيازات العضوية، مترقباً مرور أسابيع على انتشار “الفيديو الفضيحة”، وموجة التضامن الواسعة مع المهداوي داخل المجتمع المغربي، قبل أن يظهر في بودكاسته محاولاً تلميع صورته، من دون أن يعلن، رغم اعترافه بانتهاء ولاية اللجنة، أنه لم يعد جزءاً منها.
وتجاوز البقالي الإطار القانوني حين برّر استمرار اللجنة في “تصريف الأعمال”، وكأنها “حكومة؟!”، رغم أن قانون إحداثها لا يتيح لها ذلك، ما يفتح الباب أمام صرف تعويضات بلا سند قانوني.
وإذ اتفق المتابعون معه في رفضه تجريم نشر المهداوي لجزء من فيديو اجتماع لجنة الأخلاقيات، فقد ظل موقف البقالي باهتاً وضعيفاً، لأنه لم يجرؤ على إدانة التجاوزات الخطيرة التي وثّقها الفيديو بالصوت والصورة، من تصريحات مسّت بـ”استقلال القضاء”، مثل قول يونس مجاهد بجرأة فجة، إنه سيتصل بعبد النباوي، رئيس السلطة القضائية، لاستهداف المهداوي، واستعماله أسلوباً منحطاً حين توعّد المحامين المدافعين عن المهداوي: “غادي نجفف بهم الأرض”، ومحاولات تجريد المهداوي من حقه القانوني في الطعن، وتهديدات من نوع “غَيزلّو” و”نَرزِيوه”، فضلاً عن إعلان خالد الحري بثقة وتعالٍ أنه سيتابع الملف قضائياً، في ممارسات تتناقض مع أبجديات الحياد، والنزاهة المهنية، وضمان المحاكمة العادلة.
ولفت متابعون إلى أن البقالي كذب بشكل بيِّن حين نفى حضور يونس مجاهد اجتماع المداولات، بينما يُظهر الفيديو حضوره بشحمه ولحمه، وهو يصغي لخالد الحري وهو يقرأ ما ستدوّنه الكاتبة في المحضر، ما يكشف محاولة فاضحة لتزوير المعطيات خدمةً للجنة.
والأخطر أن البقالي وصف ما وقع بأنه “حديث حميمي”، متجاهلاً سؤالاً مركزياً:
هل يحقّ لمن يقدمون أنفسهم كـ”حكماء الإعلام” أن يتفوّهوا بتصريحات مهينة، جارحة، ومخلّة بالهيئة التنظيمية للصحافة؟
وإذا كان الاجتماع “حميمياً”، فلماذا لجأت اللجنة إلى تصويره سرّاً، وإخفاء ذلك عن المهداوي، في انتهاك سافر لمبدأي العدالة والشفافية؟
ويؤكد المراقبون أن البقالي، رغم ظهوره الأخير، لم يفكّ ارتباطه الحقيقي باللجنة المؤقتة، بل واصل تقديم الدفاع المستميت عنها تحت ذريعة “تصريف الأعمال”، في محاولة لتأمين موقع داخل المجلس الوطني للصحافة المقبل، رغم أنه متقاعد قانونياً منذ أربع سنوات، ويجمع بين معاش صندوق الضمان الاجتماعي، وأجره من جريدة “العلم” التي لا يزال مديراً للنشر فيها، إضافة إلى تعويضات عضوية المجلس الوطني للصحافة المنتهي منذ سنتين، والتي تم تمديدها بقرار من رئيس الحكومة عزيز أخنوش، ما يضع البقالي في قمة التناقض بين المنصب والمبدأ.
وبالنهاية، يتجلّى من سلوك عبد الله البقالي أنه يجسد ازدواجية صارخة بين الخطاب والممارسة: يدافع بالكلام عن المهنية والشفافية، بينما يستفيد بلا حرج من الامتيازات والتعويضات والمواقع، متخلياً عن الشجاعة الأخلاقية حين يُطلب منه اتخاذ موقف واضح وحاسم.
هذه الازدواجية جعلت صورته لدى الجسم الصحافي، والرأي العام مهزوزة ومثيرة للريبة، وأعادت طرح سؤال جوهري: كيف يمكن للهيئات الإعلامية أن تستعيد ثقة المهنيين والمجتمع، في ظل وجود من يضعون المصالح الشخصية، والامتيازات فوق الأخلاق المهنية والمبادئ؟
السي عبد الله البقالي، لقد وضعت، بتناقضاتك الصارخة في ملف المهداوي، حزب الاستقلال الذي تنتمي إليه، والذي بعثك للدراسة في تونس بمنحة، واحتضنك صحافياً داخل جريدة “العلم” في زمن الكبار: عبد الكريم غلاب، عبد الجبار السحيمي، وحسن عبد الخالق… في موقف بالغ الحرج.
الرجل موقف.
أليس كذلك يا مدير نشر “العلم”؟!




































