أكادير. : من ورش مفتوح إلى مدينة جاهزة: سباق الحسم قبل موعد “كان 2025”
دخلت مدينة أكادير خلال الأسابيع الأخيرة منعطفاً حاسماً جعل ملامحها تتغير بوتيرة غير مسبوقة، بعدما انتقلت مختلف المشاريع المهيكلة من مرحلة الأوراق والنماذج الهندسية إلى مرحلة “التسليم الحقيقي” على الأرض. ولم يعد الأمر يتعلق فقط بتنفيذ برنامج تنموي يمتد لسنوات، بل بسباق دقيق مع الزمن تديره مختلف السلطات الترابية والإدارية بصرامة ميدانية استعداداً لاحتضان جزء من منافسات كأس أمم إفريقيا 2025.
إدارة برؤية جديدة: القرار ينتقل من المكاتب إلى الميدان
من أبرز التحولات التي طالت المدينة خلال الفترة الأخيرة هو اعتماد نموذج تدبيري جديد قوامه “الاشتغال بالأقدام قبل الأقلام”. فقد غادرت السلطة الترابية فضاء الاجتماعات المغلقة لتباشر زيارات يومية دقيقة لورش الأشغال في مختلف الأحياء، مما سرّع وتيرة الإنجاز وأعاد ضبط الجودة على الأرض بعيداً عن التقارير النظرية.
هذا التحول أدى إلى حلّ عدد كبير من التعثرات التقنية التي كانت تعيق مشاريع حيوية، خصوصاً ما يتعلق بتداخل شبكات الماء والكهرباء والاتصالات ضمن مسار مشروع الحافلات عالية الجودة “أملواي”. القرار أصبح يُتخذ مباشرة في موقع الورش وبحضور جميع المتدخلين، وهو ما قلّص آجال التنفيذ بشكل واضح.
برنامج التنمية الحضرية… مرحلة “الحصاد” بعد أربع سنوات من البناء
يُعد برنامج التنمية الحضرية (2020-2024)، الذي أطلقه جلالة الملك محمد السادس بغلاف مالي يناهز 6 مليارات درهم، العمود الفقري للطفرة التي تشهدها أكادير. فبعد سنوات من الأشغال الكبرى، دخل البرنامج مرحلة الإغلاق النهائي للأوراش وتسليم المشاريع.
أهم إنجازات البرنامج:
المركز الاستشفائي الجامعي لأكادير (CHU) بسعة 867 سريراً وتكلفة تفوق 2.3 مليار درهم، والذي يشكل أكبر منشأة صحية حديثة بجهة سوس ماسة.
تهيئة وتوسيع المحاور الطرقية الكبيرة، سواء عبر الأنفاق، الجسور، الطرق المدارية أو مداخل المدينة، بما فيها:
الممر تحت أرضي عبد الرحيم بوعبيد – الجيش الملكي
تهيئة المدخل الشمالي الشرقي عبر الطريق السريع
تأهيل طرق القرب في أكثر من 20 حياً
مشروع النقل الحضري “أملواي” الذي بلغ محطته النهائية على مسار طوله 15.5 كيلومتر يتضمن 35 محطة مجهزة.
هذه المشاريع مجتمعة أعادت رسم الخريطة الحضرية للمدينة، وجعلتها أكثر انسيابية وتنظيماً، وهو ما لم يكن متاحاً قبل سنوات قليلة.
“كان 2025”: عامل مسرّع دفع أكادير نحو الجهوزية الدولية
لم يعد الاستعداد لكأس أمم إفريقيا يقتصر على تجهيز ملعب أدرار فقط، بل أصبح مشروعاً متكاملاً يشمل البنية التحتية المحيطة به والمرافق الرياضية والتجهيزات اللوجستيكية.
أبرز مستجدات التأهيل الرياضي:
تحديث شامل لملعب أدرار بما يتوافق مع معايير “الكاف”، من الإنارة إلى منصات الصحافة والمرافق الداخلية.
بناء وتجهيز ملاعب تدريب جديدة بمعايير عالمية.
تحسين شامل للمسارات الطرقية المؤدية إلى الملعب وإلى المنشآت الرياضية المحيطة.
الأهم هو أن هذا الحدث جعل المدينة تعيد ترتيب أولوياتها بعمق، بحيث أصبح “المعيار الدولي” هو خط الانطلاق وليس خط الوصول.
حلول استراتيجية لمشاكل بنيوية: الماء والملك العمومي والنقل
لم يقتصر العمل على المشاريع العمرانية، بل شمل معالجة ملفات استعصت لسنوات:
1. الماء: مشروع استباقي من الأكبر أفريقيا
مشروع تحلية مياه البحر باشتوكة، الذي دخل مرحلة الإنتاج الفعلي بطاقة 275 ألف متر مكعب يومياً قابلة للرفع إلى 400 ألف، أنهى مخاوف شح المياه في أكادير الكبير، مع ضمان تزويد آلاف الهكتارات من الضيعات الفلاحية.
2. تحرير الفضاء العام
حملات مكثفة لإخلاء الملك العمومي في الشوارع الرئيسية والساحات الحيوية، قصد توفير بيئة حضرية منظمة تليق بمدينة سياحية تستعد لاستقبال جماهير “الكان”.
3. تنظيم النقل
إعادة هيكلة محطات سيارات الأجرة الكبيرة والصغيرة وتعزيز مراقبة السير، بما ينسجم مع إطلاق مشروع “أملواي”.
أكادير… نموذج تدبيري جديد يُكتب على الأرض
الذي يحدث في أكادير اليوم لم يعد مجرد مرحلة عابرة، بل تجربة تدبير حضري مبنية على:
المتابعة اليومية
التشخيص بالميدان
اتخاذ القرار الفوري
ربط المسؤولية بالسرعة والجودة
هذه المقاربة جعلت المدينة تنتقل فعلياً من “مرحلة البناء” إلى “مرحلة الجاهزية”، في لحظة مفصلية تسبق استقبال إفريقيا بعد أشهر قليلة.
أكادير اليوم ليست أكادير الأمس. المدينة تحولت إلى ورش كبير يتحرك بإيقاع “الطوارئ التنموية”، وتركت خلفها سنوات الانتظارية والبيروقراطية. وبين إغلاق أوراش البرنامج الملكي والاستعداد لاستحقاق قاري بحجم “كان 2025”، يبدو أن عاصمة سوس ماسة تكتب فصلاً جديداً في تاريخها الحديث؛ فصلاً عنوانه:
الإنجاز أولاً… والباقي تفاصيل.


































