إطلاق سراح ساركوزي يعيد جدل “التمويل الليبي” إلى الواجهة.. بين الحرية المشروطة واستمرار الاشتعال القضائي
ن عمر بالكوجا أكادير
شهدت الساحة السياسية الفرنسية صباح اليوم الإثنين 10 نونبر الجاري تطوراً قضائياً بارزاً، بعدما قررت محكمة الاستئناف في باريس الإفراج عن الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي، عقب نحو ثلاثة أسابيع قضاها داخل سجن “لا سانتيه”. ويأتي هذا القرار في إطار مراجعة مسار المحاكمة المتعلقة بما يُعرف إعلامياً بـ”التمويل الليبي” لحملته الانتخابية عام 2007، وهي القضية التي ظلت تلاحق ساركوزي وتؤثر بشدة على إرثه السياسي منذ خروجه من قصر الإليزيه.
وجاء قرار الإفراج بطلب من النيابة العامة نفسها، التي دعت إلى وضع ساركوزي تحت الرقابة القضائية بدلاً من الاستمرار في سجنه، وهي خطوة رأى فيها محللون إشارة إلى تحول في تقدير مؤسسات العدالة لمسار القضية، أو على الأقل محاولة لإعادة ضبط الإيقاع القانوني في ملف وُصف طويلاً بأنه “الأكثر حساسية” بين ملفات الجمهورية الخامسة.
ومثل ساركوزي البالغ من العمر 70 عاماً أمام المحكمة عن بُعد عبر تقنية الفيديو، حيث بدا مرهقاً مقارنة بصورته حين كان أحد أبرز الوجوه السياسية في أوروبا. وقررت المحكمة فرض مجموعة قيود صارمة عليه، تشمل منعه من مغادرة التراب الفرنسي، ومنع التواصل مع عدة شخصيات سياسية وإدارية، من بينها وزير العدل الحالي جيرالد دارمانان، وذلك منعاً للتأثير المحتمل على سير التحقيقات المستمرة.
وتعود جذور القضية إلى اتهامات بتلقي تمويلات من النظام الليبي السابق بقيادة معمر القذافي، لصالح حملة ساركوزي الرئاسية في 2007. ورغم إسقاط المحكمة تهم الفساد وتمويل الحملة بشكل غير قانوني، إلا أنها أبقت على تهمة “التآمر”، معتبرة أن خطورتها تتعلق بصلب نزاهة الحياة العامة.
ويرى المقربون من ساركوزي أن الإفراج خطوة تعيد التوازن إلى مسار قضائي اتسم – وفق تعبيرهم – بـ”الاستهداف السياسي”، بينما يتشبث خصومه بضرورة مواصلة التحقيق حتى نهايته، معتبرين أن القضية ما زالت تحمل الكثير من “النهايات المفتوحة”.
أما الشارع الفرنسي، الذي تابع تفاصيل الملف لسنوات بين شد وجذب، فلا يزال منقسماً بين من يرى في ساركوزي رجل دولة دفع ثمن قراراته الجريئة، ومن يعتبره نموذجاً لـ”تداخل المصالح” بين السياسة والمال.
وبذلك، يعود اسم ساركوزي مجدداً إلى صدارة المشهد، ليس كرئيس سابق أو فاعل انتخابي، بل كعنوان لسؤال أكبر وأعمق في فرنسا: أين تقف حدود العدالة عندما تلامس السلطة؟ وهل يمكن لملف بهذا الحجم أن يصل فعلاً إلى خاتمة نهائية؟



































