من “سكينة” الأحياء إلى “فوضى” المساء: رخص الخمور داخل الأحياء السكنية تُشعل غضب سكان الرياض وتمارة
ن : عمر بالكوجا أكادير
تحول شارع المهدي بن بركة، أحد أهم شرايين حي الرياض الراقي بالعاصمة، إلى نقطة ازدحام خانق يوميّا منذ افتتاح فرع كارفور ماركت الذي حصل على رخصة لبيع المشروبات الكحولية. في كل مساء، تصطفّ سيارات الأجرة وحتّى بعض سيارات المصلحة في الزنقة الخلفية الضيقة، في انتظار زبائن أغلبهم من الفئات الاجتماعية الهشّة القادمة من تمارة والهرهورة لاقتناء الجعة والنبيذ قبل إغلاق المتجر. يشتكي السكان من صعوبة مغادرة منازلهم، وتزايد المشاجرات وتبادل السباب، مقابل غياب أي تدخّل مُنظّم من مجلس مقاطعة أكدال-الرياض.
ظاهرة تتوسّع مع انتشار الأسواق الكبرى
رخص بيع الخمور التي كانت تُمنح لمحلات بعيدة عن الأحياء العتيقة تحوّلت اليوم إلى امتيازٍ تجاري في قلب المناطق السكنية المتوسّطة. فتحُ سلاسل مثل كارفور ومرجان منافذ قرب التجمعات السكنية خلق سباقاً على استقطاب الزبون “القريب”؛ غير أن ضغط المجتمع دفع بعض الفروع (مثلاً فرع حي الوفاق بتمارة) إلى إلغاء ركن الخمور بعد عريضة وقّعتها 78 جمعية مدنية.
استهلاك قياسي يُنعش خزينة الدولة
يُعَدّ المغرب اليوم من أكبر أسواق المشروبات الكحولية في المنطقة؛ فقد وصل الاستهلاك سنة 2024 إلى 120 مليون لتر، جالباً ضرائب مباشرة تفوق 2.24 مليار درهم من الرسم الداخلي على الاستهلاك، إضافة إلى الضريبة على القيمة المضافة بـ 20 %.
هذه الأرقام تضع الخمور ثالثَ أكبر مصدر لرسوم الاستهلاك بعد المحروقات والتبغ، ما يُبرز إغراء العائدات الجبائية في معادلة الترخيص.
قانون يعود إلى “حالة الاستثناء” سنة 1967
المثير أن الإطار القانوني ما يزال هو القرار رقم 3-177-66 الصادر في 17 يوليوز 1967 عن مدير الديوان الملكي آنذاك، والذي يُلزم صاحب الترخيص بعدم بيع الخمر “للمغاربة المسلمين” ويُعطي السلطات المحلية حقّ سحب الرخصة لحماية النظام العام. غير أن النص لم يُواكب تحوّلات العمران ولا طفرة المتاجر الكبرى، ما جعل تطبيقه موضوع اجتهاد وانتقائية ميدانية.
الأمن والسكينة في كفّة… وضرائب المليارات في كفّة أخرى
تؤكد شهادات سكان الزنقة الموازية لشارع المهدي بن بركة أنّ “حياة الهدوء” انقلبت إلى شجارات يوميّة مع سائقي مركبات يتهافتون على الخمور قبيل الثامنة مساءً. وترى الجمعيات المدنية أنّ الامتياز التجاري يتحوّل إلى عبء اجتماعي وأمني في غياب مخطّط لتدبير حركة السير، وحراسة محيط المتجر، وتحديد ساعات البيع. حالة الرباط تُشبه ما حدث في تمارة وخنيفرة حيث رُفعت عرائض لوقف البيع داخل الأحياء.
مع اقتراب كأس أمم إفريقيا 2025 وثلاثية مونديال 2030، يحذّر فاعلون مدنيون من أنّ أسواق الخمور القريبة من الملاعب – وأبرزها فرع شارع المهدي بن بركة، الأقرب إلى مجمّع الأمير مولاي عبد الله – قد تُصبح “قبلة” للآلاف قبل المباريات، ما يُضاعف خطر الشغب المروري والعنف في غياب خطة استباقية واضحة.
فرع شارع المهدي بن بركة مثال حيّ على خلل التوازن بين عائدات رخص الخمور وحقّ الساكنة في بيئة آمنة.
التشريع المتقادم لعام 1967 يُتيح للسلطات تعليق الترخيص في حال المساس بالأمن، لكنّ التطبيق متروك لاجتهاد المجالس المحليّة.
الضغط الجبائي الكبير يجعل الدولة متحفِّظة تجاه تقليص نقاط البيع، بينما يطالب السكان بمقاربة تشاركية تشمل تحديد مواقع البيع، فرض توقيت مُقيَّد، وتوفير مراقبة مرورية وأمنية.
في انتظار مراجعة شاملة لمنظومة الترخيص، يبقى السؤال المفتوح: **هل ترجّح السلطات كفّة مداخيل الخزينة أم كفّة سكِنة الأحياء؟