من اقتصاد القفف إلى كرامة المواطن: هل نعيد إنتاج الفقر بدل محاربته؟

Imou Media19 يونيو 2025
من اقتصاد القفف إلى كرامة المواطن: هل نعيد إنتاج الفقر بدل محاربته؟

من اقتصاد القفف إلى كرامة المواطن: هل نعيد إنتاج الفقر بدل محاربته؟

في الوقت الذي يعود فيه الحديث بقوة الى واجهة الاعلام ومنصات التواصل حول ملفات الفساد المالي والاداري، تتكشف مرة اخرى اعطاب عميقة تنخر قطاعات كبرى في المغرب. من التعليم الذي ابتلع فيه ما يقارب 4300 مليار سنتيم تحت شعار “الاصلاح”، الى الفلاحة التي عولنا عليها كثيرا، فتبين ان “المخطط الاخضر” لم يكن سوى وهم اعلامي، بينما اصبحنا اليوم نستورد الشاي من الصين، والسكر الذي كنا ننتجه داخليا اختفى من المائدة، والحليب والقمح اصبحا مصدر قلق دائم كلما اهتزت الاسواق العالمية.

في خضم هذا المشهد، تستمر سياسة الريع المقنع في الدعم العشوائي: للابقار، للاغنام، للدواجن، للبيض… دون اثر ملموس على الارض، سوى فواتير ضخمة تثقل ميزانية الدولة، وتغذي شبكات النفوذ والفساد. الحكومة، في تناقض صارخ، تكثر من الحديث عن دعم الملايين، بينما المطلوب في الاصل ليس مضاعفة الدعم، بل الانفكاك من منطقه برمته.

نحن نؤسس باستماتة لاقتصاد كسول، لا ينتج، لا ينافس، يقتات على الانعاش والمساعدات، ويحول المواطن الى متلقي، لا شريك. نغرق في خطاب العطف بدل التمكين، وننسى ان الدول لا تبنى بالاعانات، بل بالعدالة الاجتماعية، بجودة التعليم، وبربط حقيقي للمسؤولية بالمحاسبة.

تتحمل الاحزاب السياسية جزءا كبيرا من هذا التردي. فبدل وضع سياسات اجتماعية واقتصادية متماسكة، وجدت ضالتها في “القفف” وشعارات الدعم، واختارت الطريق الاسهل لتلميع صورتها: عدسات الكاميرات بدل مراكز البحث، والدعاية بدل التنمية. تحولت القفة من مساعدة ظرفية الى رمز لبؤس السياسة، والى وسيلة انتخابية توزع بغير حياء على حساب كرامة الانسان.

ان الفقر لا يعالج بالصدقات ولا بالبرامج الموسمية ولا بالقوافل الموسمية، بل بالسياسات الجذرية التي تخرج الناس من دائرة العجز الى فضاء الانتاج. اننا اليوم امام خطر تحويل الفقر الى “خزان انتخابي”، يحتفظ به البعض كرصيد انتخابي يغذى بجرعات محسوبة من الدعم والمواسم.

والمؤلم اكثر، هو تقسيم المغاربة الى فئات وهويات اجتماعية تستغل لحسابات الدعم دون رؤية تنموية: ارامل، مطلقات، معاقون، فقراء، مناطق ظل… اختزال الانسان في بطاقة دعم او رقم في سجل اجتماعي هو اختزال للوطن نفسه في ادارة توزيع لا تحترم ذكاء الانسان، ولا تطلق قدراته.

ان المغرب لا ينقصه المال، بل تنقصه شجاعة في ادارة الموارد البشرية. لدينا شباب في الاحياء الشعبية والقرى والجبال، قادر على صنع المعجزات ان وفرنا له الادوات المناسبة من تكوين، تمويل، وتشجيع. لا ينتظرون الصدقة، بل من يفتح لهم ابواب الفرصة.

الحكومات التي تحترم نفسها لا تقاس بكم انفقت من دعم، بل بكم خلقت من فرص. لا تبني الدول بشراء السكون، بل بتعزيز الكرامة، وتحقيق العدالة، وربط المواطن بجسور الامل. اما الانفاق بدون اثر، فهو مجرد شراء وقت، وتأجيل للانفجار.

السياسة التي لا تحسن شروط العيش، ولا تفتح ابواب الامل والعمل، ليست سياسة… بل مهزلة. ومتى كانت المهزلة تبني وطنا؟

ن : عمر بالكوجا

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Comments Rules :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.