الحجز والمصادرة في صلب معركة تجفيف منابع الجريمة المالية بالمغرب
شدّد الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، رئيس النيابة العامة اليوم الجمعة 19 دجنبر الجاري بالرباط ، على أن آليتي الحجز والمصادرة لم تعودا مجرد إجراءات تكميلية في مساطر المتابعة، بل أضحتا ركيزة مركزية في السياسة الجنائية الحديثة لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، لما لهما من أثر مباشر في تقويض الأسس المالية للتنظيمات الإجرامية وحرمانها من عائداتها غير المشروعة.
وجاء هذا الموقف خلال الجلسة الافتتاحية للقاء السنوي لجهات إنفاذ القانون، الذي احتضنته العاصمة الرباط، ونظمته الهيئة الوطنية للمعلومات المالية تحت شعار: “التحديات العملية في مجال مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب: الحجز والمصادرة نموذجاً”، بحضور مسؤولين قضائيين وأمنيين وخبراء وممثلين عن مؤسسات وطنية معنية.
وأكد رئيس النيابة العامة أن هذا اللقاء السنوي ترسخ كموعد مؤسساتي وطني لتبادل الخبرات وتقييم التجارب العملية، مبرزاً أهمية الشراكة الاستراتيجية التي تجمع رئاسة النيابة العامة بالهيئة الوطنية للمعلومات المالية، والتي مكنت من تعزيز التنسيق وتوحيد الجهود في مجال تتبع الجرائم المالية المعقدة.
وأوضح أن اختيار موضوع الحجز والمصادرة يكتسي راهنية خاصة، في ظل التحولات العميقة التي يشهدها الاقتصاد العالمي، والتطور المتسارع لأساليب إخفاء الأموال غير المشروعة عبر هياكل مالية معقدة ومنصات رقمية عابرة للحدود، فضلاً عن ارتباط هذا الورش بشكل مباشر بعملية التقييم المتبادل للمنظومة الوطنية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب المرتقبة ما بين 2026 و2028.
وسجل المسؤول القضائي أن تعقب الأصول الإجرامية يواجه تحديات متزايدة، من بينها الطابع الدولي للجريمة المنظمة، وصعوبة الولوج إلى المعطيات المالية، وتعقيد تحديد المستفيدين الحقيقيين، إضافة إلى الإكراهات المرتبطة بتدبير الأموال والممتلكات المحجوزة والحفاظ على قيمتها الاقتصادية إلى حين صدور الأحكام النهائية.
وفي هذا السياق، أكد أن فعالية الحجز والمصادرة لا تقاس فقط بصدور القرارات القضائية، بل تتطلب منظومة متكاملة تشمل آليات تقنية وإجرائية ومؤسساتية لتتبع الأصول، وجردها، وتقييمها، وتنفيذ قرارات المصادرة بشكل يحقق المصلحة العامة ويعزز ثقة المجتمع في العدالة.
وعلى مستوى السياسة الجنائية، أبرز أن رئاسة النيابة العامة جعلت من مكافحة غسل الأموال أولوية استراتيجية، من خلال تطوير تقنيات البحث والتحري المالي، وتعزيز تبادل المعلومات بين المتدخلين، وإطلاق منصات رقمية لتتبع القضايا، وتقوية التعاون القضائي الدولي، إلى جانب الاستثمار في التكوين المتخصص للقضاة وأطر النيابة العامة.
أما على الصعيد الدولي، فأشار إلى انخراط المغرب، عبر رئاسة النيابة العامة، في مبادرات إقليمية ودولية لاسترداد الأصول، من بينها الشبكة الإقليمية لاسترداد الموجودات بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (MENA ARIN)، ومبادرات الاتحاد الإفريقي، فضلاً عن التعاون مع منظمة الإنتربول وهيئات الأمم المتحدة المختصة.
وفي مقابل تعزيز النجاعة، شدّد رئيس النيابة العامة على اعتماد مقاربة متوازنة تحترم الحقوق والحريات الأساسية، وعلى رأسها الحق في الملكية، مؤكداً أن قانون المسطرة الجنائية الجديد كرس هذه الضمانات بما ينسجم مع المعايير الدولية.
وختم كلمته بالتأكيد على أن الارتقاء بمنظومة الحجز والمصادرة يظل رهيناً بحكامة مؤسساتية فعالة وتنسيق محكم بين مختلف المتدخلين، معرباً عن أمله في أن تسفر أشغال هذا اللقاء عن توصيات عملية تعزز قدرة المغرب على مواجهة الجرائم المالية وحماية اقتصاده الوطني.




































