الجواهري يدق ناقوس الغلاء : الأرقام تهدأ والأسعار تواصل الضغط على جيوب المغاربة
في خضم النقاش المتواصل حول ارتفاع تكاليف المعيشة وتراجع القدرة الشرائية، قدّم عبد اللطيف الجواهري، والي بنك المغرب، قراءة واقعية للوضع الاقتصادي الراهن، محذرًا من أن مسألة خفض الأسعار بعد موجات الارتفاع تظل من أعقد الإشكالات التي تواجه الاقتصادات الحديثة، سواء على الصعيد الوطني أو الدولي.
وخلال ندوة أعقبت اجتماع مجلس بنك المغرب، أوضح الجواهري أن المؤشرات الرسمية للتضخم لا تعكس بالضرورة الإحساس اليومي للمواطن، مبرزًا وجود تباين واضح بين التضخم “الإحصائي” الذي تُنتجه الأرقام، والتضخم “المعيشي” الذي يظهر بجلاء في الأسواق ومحلات البيع. فبلوغ معدل تضخم في حدود 0.8 في المائة، بحسبه، لا يعني انخفاض الأسعار، بل فقط تباطؤ وتيرة زيادتها، وهو فرق تقني لا يخفف من عبء الغلاء الذي ترزح تحته الأسر.
وأشار والي بنك المغرب إلى أن استمرار ارتفاع أسعار المواد الغذائية الأساسية، من خضر وفواكه ولحوم وأسماك وبيض، يكرس الإحساس العام بغلاء المعيشة، حتى في الفترات التي تعلن فيها الجهات الرسمية عن تراجع معدلات التضخم. واستحضر في هذا السياق مثال زيت الزيتون، الذي ظل سعره مرتفعًا رغم وفرة الإنتاج المحلي، معتبراً أن هذا التناقض يطرح علامات استفهام حول فعالية سلاسل التسويق، ودور الوسطاء، وحدود المراقبة والضبط داخل السوق الوطنية.
وفي تعبير لافت، استند الجواهري إلى الموروث الشعبي قائلاً إن من يعاني الغلاء هو الأقدر على الإحساس به، في إشارة إلى أن معاناة الأسر لا يمكن اختزالها في تقارير تقنية أو نسب مئوية، بل تُقاس بما يتبقى في محفظة المواطن بعد اقتناء حاجياته الأساسية.
كما أكد أن التجارب الاقتصادية أثبتت أن الأسعار حين ترتفع بسرعة، فإنها نادرًا ما تنخفض بنفس الوتيرة، وهو ما يفسر استمرار الضغط على القدرة الشرائية حتى بعد انحسار بعض العوامل الظرفية المسببة للتضخم، كارتفاع كلفة الطاقة أو اضطراب سلاسل التوريد العالمية.
ورغم هذه الصورة القاتمة على المستوى الاجتماعي، أبرز والي بنك المغرب أن العملة الوطنية واصلت إظهار قدر من الصمود في مواجهة التقلبات الخارجية، معتبراً ذلك دليلاً على متانة الإطار الماكرو-اقتصادي للمملكة وحسن تدبير السياسة النقدية. غير أنه شدد في المقابل على أن الاستقرار المالي يفقد قيمته إذا لم ينعكس بشكل ملموس على ظروف عيش المواطنين.
وختم الجواهري مداخلته بالتأكيد على أن التحدي المركزي في المرحلة المقبلة لا يقتصر على التحكم في المؤشرات الاقتصادية الكبرى، بل يتجاوز ذلك إلى استعادة ثقة المواطن، عبر سياسات عمومية أكثر جرأة ونجاعة، تستهدف كبح أسعار المواد الأساسية، وتشديد المراقبة على مسالك التوزيع، وتقليص الهوة بين الأرقام الرسمية والواقع المعيشي، بما يضمن توازناً حقيقياً بين الاستقرار الاقتصادي والعدالة الاجتماعية.




































