موسم استثنائي للتمور بالمغرب.. بين “نعمة المطر” وتحديات الاستدامة
من أرفود، أعلن وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، أحمد البوعاري، أن إنتاج التمور خلال موسم 2025-2026 مرشح لبلوغ 160 ألف طن، أي بزيادة تقدر بنحو 55 في المائة مقارنة بالسنة الماضية.
الوزير كشف عن هذه المعطيات خلال افتتاح الدورة الرابعة عشرة للمعرض الدولي للتمور بالمغرب (SIDATTES 2025)، المنظم من 29 أكتوبر إلى 2 نونبر بمشاركة أكثر من 230 عارضًا، وحضور متوقع يتجاوز 90 ألف زائر، ما يعكس الاهتمام المتزايد بهذه السلسلة الحيوية للاقتصاد الفلاحي الوطني.
لكن خلف الأرقام المبهرة، تطرح تساؤلات جوهرية حول مصدر هذا التحسن الكبير: هل هو ثمرة سياسات وبرامج “الجيل الأخضر”، أم نتيجة ظرف مناخي مواتٍ؟
السماء أولاً.. ثم البرامج
تُجمع المعطيات التقنية على أن القفزة في الإنتاج تعود أساسًا إلى ظروف مناخية مثالية عرفتها مناطق الواحات، خاصة درعة–تافيلالت التي تؤمن حوالي 76% من الإنتاج الوطني، تليها جهتا سوس–ماسة والشرق بنسبة 11% لكل منهما.
فشتاء معتدل تلاه مطر ربيعي في شهري مارس وأبريل ساهم في تحسين عقد الثمار ونضجها، مما جعل الموسم الحالي “ثمرة طقس جيّد في توقيت جيّد”، أكثر منه حصيلة مباشرة للاستثمار الهيكلي.
ومع ذلك، لا يمكن إنكار أن برامج “المخطط الأخضر” و”الجيل الأخضر 2020–2030” ساعدت في رفع جاهزية القطاع من خلال الغرس والتأطير والتثمين، لكنها تبقى عاملًا مكملاً لا بديلًا عن انتظام التساقطات.
رغم وفرة المحصول، لا يُتوقع انخفاض كبير في أسعار التمور على مستوى التجزئة. فالعوامل المؤثرة متعددة:
المغرب ما يزال يستورد كميات مهمة لتغطية الطلب، خصوصًا قبل رمضان.
تكاليف النقل والتخزين وسعر الصرف تلعب دورًا رئيسيًا في تحديد السعر النهائي.
هناك تفاوت كبير بين الأصناف؛ فتمور “مدجول” الممتازة قد تحافظ على سعرها، في حين قد تعرف الأصناف المتوسطة انخفاضات محدودة.
كما أن الوسطاء والمضاربة الموسمية يحدّان من انعكاس الوفرة على المستهلك، ما يجعل أي تراجع في الأسعار ظرفيًا ومحدود الأثر.
تصدير وتموين في اتجاهين
يُثير البعض سؤال المفارقة: لماذا نستورد التمور ونحن ننتجها ونصدرها؟
الجواب بسيط: المغرب يُصدر القليل عالي الجودة ويستورد الكثير الرخيص لتغطية الطلب الشعبي، في إطار ما يُعرف بـ “التجارة في الاتجاهين”.
أما الأرقام المليارية التي تُتداول حول عائدات القطاع، فهي في الغالب أرقام معاملات إجمالية تشمل مراحل الفرز والتعبئة والنقل والتوزيع، وليست أرباحًا صافية للفلاحين.
من موسم إلى منظومة
الوفرة الحالية تُذكّر بأن المطر لا يزال العامل الحاسم في القطاع الواحي، وأن أي موسم ناجح يظل اختبارًا مؤقتًا لا ضمانة للاستدامة.
ولكي تتحول هذه الوفرة إلى مكسب دائم، تحتاج السياسات العمومية إلى:
شفافية في تتبع الأسعار من الحقل إلى المستهلك؛
مراقبة صارمة للمضاربة خاصة قبيل رمضان؛
تنسيق عمليات الاستيراد مع فترات الجني؛
الاستثمار في السقي المقتصد، والتبريد، والتوضيب، والتتبع.
فقط بهذه الأدوات يمكن تحويل “نعمة المطر” إلى ربح مستدام يستفيد منه الفلاح والمستهلك معًا، بدل أن يظلّ الموسم مرهونًا بمزاج السماء.

 


































