أكادير تطلق أول مصنع للذباب المعقّم: سلاح نووي ناعم لحماية الحمضيات من الآفات
ن عمر بالكوجا أكادير
في خطوة علمية رائدة تعكس التزام المغرب بالابتكار الزراعي والتنمية المستدامة، احتضنت مدينة أكادير مؤخرًا افتتاح أول وحدة صناعية في إفريقيا مخصصة لإنتاج الذباب المعقّم، بهدف حماية زراعة الحمضيات من الآفات، وعلى رأسها ذبابة البحر الأبيض المتوسط، التي تُعد من أكثر الحشرات فتكًا بمحاصيل الفاكهة.
المصنع، الذي أُقيم بدعم تقني من الوكالة الدولية للطاقة الذرية (IAEA) ومنظمة الأغذية والزراعة (FAO)، يعتمد على تقنية “الحشرة العقيمة” (Sterile Insect Technique – SIT)، وهي أسلوب متطور يستخدم الإشعاع النووي بشكل آمن لتعقيم ذكور الذباب، ثم إطلاقها في الطبيعة لتتزاوج مع الإناث دون إنتاج نسل، ما يؤدي إلى تراجع أعداد الحشرات الضارة بشكل تدريجي.
من الحقول إلى المختبرات… فإلى الأسواق العالمية
يوفر هذا المشروع، الذي تبلغ طاقته الإنتاجية نحو 130 مليون ذبابة عقيمة أسبوعيًا، حماية لمنطقة سوس ماسة، التي تُعد القلب النابض لإنتاج الحمضيات في المملكة. ومن المتوقع أن يغطي المصنع مساحة زراعية شاسعة تتجاوز 180 ألف هكتار.
ويمثل إطلاق هذه التقنية نقلة نوعية في كيفية تعامل المغرب مع التحديات الزراعية، حيث يُعوّل عليها لتقليل الاعتماد على المبيدات الكيميائية وتحسين جودة المنتجات الفلاحية، خاصة تلك الموجهة للتصدير نحو الأسواق الأوروبية والخليجية، التي تفرض معايير صارمة بشأن بقايا المبيدات.
شراكة دولية.. وقيادة مغربية
المبادرة تأتي في إطار برنامج دولي واسع يحمل اسم “الذرات من أجل الغذاء” (Atoms4Food)، تسهر عليه الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ويهدف إلى تسخير التطبيقات النووية السلمية لخدمة الأمن الغذائي ومكافحة الجوع.
ويُعد هذا المصنع الأول من نوعه في شمال إفريقيا، ويكرّس ريادة المغرب في مجال الاستخدام السلمي للتكنولوجيا النووية في القطاع الفلاحي، ما يمكّنه من لعب دور محوري في دعم بلدان إفريقية أخرى تبحث عن حلول فعالة ضد آفات زراعية مماثلة.
فوائد متعددة في الأفق
يتوقع الخبراء أن يُساهم المشروع في:
خفض تكلفة الإنتاج الفلاحي بفضل تقليص المبيدات.
الحد من الخسائر السنوية في محاصيل الحمضيات، التي تقدر بآلاف الأطنان.
تحسين مردودية الفلاحين وزيادة دخلهم، خاصة في المناطق المتأثرة بالآفات.
تعزيز تنافسية المنتجات المغربية في الأسواق العالمية.
العلم في خدمة الأرض
ورغم أن تقنية الحشرة العقيمة ليست جديدة عالميًا، إلا أن توطينها في المغرب بهذا الحجم يُعد سابقة ويبرهن على قدرة المملكة على الاستثمار في البحث العلمي وتطبيقاته العملية، خاصة في المجالات المرتبطة بالأمن الغذائي والتغيرات المناخية.
يقول أحد المهندسين العاملين في المشروع:
الهدف ليس القضاء على الذباب، بل كسر دورة حياته بطريقة ذكية ونظيفة وآمنة بيئيًا. إنها حرب بيولوجية ناعمة تخوضها الحقول ضد أعدائها الخفيين.
كما ان المغرب، من خلال هذا المشروع، لا يكتفي بحماية محصوله من الحمضيات، بل يخطو بثبات نحو نموذج فلاحي أكثر استدامة، حيث يُصبح المختبر شريكًا للمحراث، والعلم حليفًا للفلاح.


































