تسريبات تقارير تفتيش تفضح “شبكات الفساد المحلي”: جماعات ترابية تتلاعب بالصفقات وتُهدر المال العام
ن : عمر بالكوجا أكادير
في تطور جديد يعيد إلى الواجهة ملف الفساد وسوء التدبير داخل بعض الجماعات الترابية بالمغرب، كشفت تسريبات لتقارير صادرة عن المجالس الجهوية للحسابات عن اختلالات وصفت بـ”الخطيرة”، تورط فيها رؤساء جماعات حاليون وسابقون، خصوصًا في جهتي الدار البيضاء-سطات وفاس-مكناس.
فواتير وهمية وصفقات مشبوهة
التقارير المُسرّبة وضعت الأصبع مجددًا على نزيف المال العام داخل الجماعات الترابية، من خلال ممارسات باتت تتكرر دون رادع: فواتير وهمية، صفقات وهمية، تفويتات مشبوهة، و”إكراميات مقنّعة” لفائدة مزودين تربطهم علاقات خاصة بمسؤولين جماعيين.
وفي مشهد يتناقض كليًا مع مبادئ الشفافية والمنافسة، تم تفويت صفقات بمبالغ ضخمة لنفس الشركات والمزودين، في ظل غياب معايير واضحة أو محاضر رسمية لتبرير الإقصاء أو التفضيل.
إدارة في وضعية تواطؤ؟
الأخطر أن بعض الجماعات – حسب نفس التقارير – لم تحتفظ بوثائق الصفقات أو سجلات لجان الفتح والانتقاء، وهو ما اعتبره قضاة المجالس الجهوية “تقاعسًا متعمّدًا يرقى إلى التستر”.
كما تم تسجيل حالات غياب لممثلي الخزينة العامة للمملكة عن جلسات فتح الأظرفة، رغم أن القانون يُلزم حضورهم بموجب المادة 34 من مرسوم الصفقات العمومية، ما يشير إلى خلل رقابي خطير قد يكون مقصودًا.
القضاء يدخل على الخط
في ضوء هذه المعطيات، علمت مصادر مطلعة أن الفرقة الوطنية للشرطة القضائية بصدد فتح تحقيقات موسعة، بناء على إحالات من المجلس الأعلى للحسابات إلى وزارة العدل، مع استعداد جهات قضائية لتحريك المتابعة ضد منتخبين ومسؤولين إداريين.
ويُنتظر أن تُحال دفعة جديدة من الملفات على أنظار محاكم جرائم الأموال بعد انتهاء العطلة القضائية، مما قد يُسقط شخصيات سياسية بارزة في قضايا تبديد المال العام واستغلال النفوذ والتلاعب بالصفقات.
تأويلات مشبوهة للقانون
اللافت أن بعض رؤساء الجماعات حاولوا الدفاع عن ممارساتهم بتبريرات وُصفت بـ”الواهية”، من قبيل “تغير السياق الاقتصادي” أو “عدم توفر الإمكانيات المالية”، وهي مبررات وإن كانت واردة قانونًا، إلا أن تكرار استعمالها دون مستندات أو حجج يُثير شبهات واضحة.
رسالة واضحة: لا أحد فوق القانون
مرة أخرى، تبرز هذه التسريبات عمق أزمة الحكامة المحلية في المغرب، وتطرح بإلحاح سؤال الفعالية في تفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، وتجاوز الاكتفاء بتقارير المجالس نحو إجراءات زجرية حقيقية ترد الاعتبار للمال العام.
فهل ستكون هذه الملفات بداية نهاية عهد الإفلات من العقاب داخل الجماعات الترابية؟
أم أن لوبيات الفساد ستجد كالعادة طرقًا للمراوغة والتملص؟