قلعة اخنوش الحصينة بداية الانهيار الكبير والإمبراطورية على المحك
ن عمر بالكوجا أكادير
منذ دخوله إلى غمار السياسة من بوابة المال والأعمال، ظل عزيز أخنوش يُقدَّم باعتباره أحد أقوى رجال المغرب، ليس فقط بفضل ثروته الضخمة وسيطرته شبه المطلقة على قطاع المحروقات، بل أيضاً بسبب النفوذ الذي بناه على مدى سنوات داخل مؤسسات الدولة والاقتصاد. غير أن المؤشرات المتراكمة في الآونة الأخيرة توحي بأن “القلعة الحصينة” التي شيدها لم تعد كما كانت، وأنها بدأت تفقد صلابتها أمام تحديات متسارعة.
السياسة التي اعتمدها أخنوش منذ توليه رئاسة الحكومة لم تترجم وعود “الازدهار والرفاه” وتستاهل احسن التي رُوّج لها خلال الحملة الانتخابية لسنة 2021. بل على العكس، وجد المغاربة أنفسهم يواجهون موجة غير مسبوقة من الغلاء، خاصة في أسعار المواد الأساسية والمحروقات التي تُعتبر عصب الاقتصاد والحياة اليومية. فقد بلغ سعر البنزين والغازوال مستويات قياسية رغم تراجع الأسعار في السوق الدولية، وهو ما أثار استياءً شعبياً واسعاً، وتجدَّد معه النقاش حول “ريع المحروقات” وممارسات شركات التوزيع.
إلى جانب ذلك، أظهر أداء الحكومة ضعفاً واضحاً في معالجة ملفات اجتماعية حساسة: التعليم يعيش على وقع الإضرابات المتكررة واحتقان الأساتذة، الصحة العمومية تئن تحت وطأة نقص الأطر والتجهيزات، والبطالة في صفوف الشباب مازالت مقلقة رغم الوعود بخلق فرص الشغل.
وعلى صعيد المشاريع الكبرى، أثار مشروع تحلية المياه بالدار البيضاء جدلاً واسعاً، خاصة بعد تقارير تشير إلى أن أخنوش تمكن من استحواذه بطريقة مثيرة للجدل، مما يطرح تساؤلات حول الشفافية، الاستثمارات، وطريقة إدارة المشاريع الحيوية التي تؤثر مباشرة على حياة الملايين من المواطنين. كما أثار ملف توسيع وتحديث البنية التحتية للموانئ والمواصلات العمومية جدلاً حول جدوى الاستثمارات وكفاءة تسيير الموارد، وهو ما عزز شعور جزء من الرأي العام بأن الثقة الممنوحة لحكومة أخنوش بدأت تتراجع.
المفارقة الكبرى أن التعديلات الأخيرة في الحكومة لم تكن في المستوى المطلوب، حيث لم تشهد المناصب أي كفاءات حقيقية، بل تولى معظمها مقربون ومطبلون، وهو ما أضعف الأداء وأكد الانطباع بأن الولاء السياسي يغلب على المصلحة العامة والكفاءة المهنية.
لكن سقوط القلعة لن يكون، على الأرجح، نتيجة الغضب الشعبي وحده، رغم أنه عامل أساسي. فالتجارب السابقة في المشهد المغربي تُظهر أن مثل هذه التحولات غالباً ما تأتي بفعل توازنات داخلية أوسع، وبقرارات من مراكز قوة لها حساباتها الخاصة. فكل من صعد إلى مواقع عليا في عهد أخنوش، أو استفاد من مظلته، قد يجد نفسه بدوره في دائرة الحساب.
اليوم، تتجمع ملامح مرحلة جديدة: تآكل الثقة الشعبية، اهتزاز صورة الحزب الحاكم، وتزايد الانتقادات التي لم تعد مقتصرة على المعارضة، بل صارت صادرة حتى من داخل النخبة. وإذا كان المال قد حصّن أخنوش طويلاً، فإن المال نفسه قد يصبح عبئاً حين يُنظر إليه كرمز للتفاوت والاحتكار.
هكذا يبدو أن الإمبراطورية التي جمعت بين البزنس والسياسة بدأت تعرف تشققات عميقة، وأن مرحلة أفول أخنوش السياسي لم تعد مجرد احتمال، بل مساراً تتسارع مؤشراته. وما نراه اليوم قد لا يكون سوى بداية سلسلة من الانهيارات التي ستعيد تشكيل المشهد السياسي والاقتصادي برمته……… يتبع