حركة “ضمير” تُذكر أخنوش بإخفاقات حكومته (رسالة)
عددت حركة “ضمير”، في رسالة مفتوحة إلى رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، إخفاقات الحكومة وتأسفت على فشل أحزاب المعارضة في تنفيذ ملتمس الرقابة، والتي تكتسي أهمية قصوى في مرحلة البناء الديمقراطي، خاصة في ظل تراجع دينامية النقاش العمومي.
كما نددت الجمعية في رسالتها باستمرار تجاهل الحكومة معاناة المواطنين والصعوبات التي تواجهها المقاولات الصغيرة والمتوسطة، والتي أظهرت بيانات وتقارير المندوبية السامية للتخطيط تضررها من سياسات الحكومة.
وجاء نص الرسالة كاملا كالتالي:
“السيد رئيس الحكومة،
نتوجه إليكم بهذه الرسالة المفتوحة، لا بابتهاج، وإنما لأن مصلحة الوطن تحتم علينا ذلك. كنا نفضل أن تصدر هذه المبادرة بشكل جماعي عن أحزاب المعارضة البرلمانية، ولكننا نلاحظ، وفي الوقت نفسه، نأسف لكون مبادرة الأحزاب الأربعة المشكِّلة للمعارضة والمتعلقة بتقديم ملتمس رقابةٍ ضد حكومتكم في منتصف ولايتها، لم تجد طريقها إلى التنفيذ.
ونحن نأسف لهذا الوضع، لأن مبادرة كهاته – مستوحاةٍ من روح التنافس السياسي الشريف – تكتسي أهمية قصوى في مرحلة البناء الديمقراطي، خاصة في ظل تراجع دينامية النقاش العمومي، أكان على مستوى حضور القيم الديمقراطية أو الأفكار أو العرض البرنامجي. وهو ما يؤكدُ مرة أخرى الحاجة إلى اعتمادِ نموذج سياسي جديد في إطار ثوابت الأمة.
تعلمون، سيدي رئيس الحكومة، أن “حركة ضمير” ليست حزبا سياسيا. وهي ليست بأي حال من الأحوال مدفوعة باعتبارات حزبية أو انتخابية، وإنما هي هيئة للتفكير، حاضرة منذ أكثر من عقد من الزمن في النقاش العمومي، تهتم في المقام الأول بقضايا البناء الديمقراطي والحريات إضافة إلى السياسات العمومية والحكامة الرشيدة. إننا بهذه الصفة نبعث لكم هذه الرسالة المفتوحة لاستفهامكم وتنوير الرأي العام. وإذا ما تعذر تقديم ملتمس رقابة داخل مجلس النواب، للأسباب المشار إليها أعلاه، فإن رسالتنا المفتوحة هاته تهدف إلى أداء نفس الوظيفة رمزيًا، ولكن هذه المرة مباشرة لدى مواطنينا. وهل ثمة رقابة أكثر شرعية؟
لا نعتقد، السيد رئيس الحكومة، والحالة هذه، أن النهج الذي نتبعه اليوم سيفاجئكم والحكومة معكم، وهو نهج يتمثل في استفهامكم علناً ومساءلة دوافع سياستكم ونتائجها. نحن نقوم بذلك بموجب المقتضيات الدستورية لبلادنا، وخاصة منها المادتان 12 و13 من الدستور، اللتان تكرسان الديمقراطية التشاركية، وتخولان للجمعيات المهتمة بالشأن العام دورا مركزيا في المشاركة “في تطوير وتنفيذ وتقييم قرارات ومشاريع المؤسسات المنتخبة والسلطات العمومية (…)”.
وإذا كان اليومَ من استغراب في الفضاء العام، فإنه يتعلق باستمراركم في إنكار الواقع، من خلال إنكار الإخفاقات المتعددة لسياستكم والإصرار على تجاهلكم لمعاناة مواطنينا والصعوبات التي تواجهها المقاولات الصغيرة والمتوسطة. كيف يمكنكم تعليل الادعاءات العديدة المعلنة في خطابكم حول انسجام أغلبيتكم البرلمانية، أو تثمين الكفاءات الوطنية من خلال حكومة تلجأ بصورة منهجية لخدمات مكاتب الاستشارة الأجنبية، أو ضمان استدامة تمويل ورش تعميم الحماية الاجتماعية في ظل حسابات عمومية غير صادقة، أو التحكم المزعوم في العجز المزدوج في الوقت الذي يكون فيه رصيد الميزانية مجرد متغيرة للتقويم ؟
ها أنتم في منتصف فترة ولايتكم، وبعد أن تعهدتم بعشرة التزامات رئيسية رسمية، في إطار تصريحكم المتعلق بسياستكم العامة، وبعد أن قدمتم العديد من الوعود للمغاربة، وبعد دعوة النقابات للتوقيع على اتفاقيات ثلاثية مع حكومتكم وأرباب العمل، اتفاقيات لم تدخل بعدُ حيز التطبيق، وبعد اتفاقكم على الرفع من الحد الأدنى للأجور – وهذا قرار محمود في حد ذاته – لكن دون أن تهيئوا له شروط إعمال متوازنة، ونعني بذلك تسريع وتيرة النمو الاقتصادي، وإيجاد حلول لهشاشة الشركات الصغيرة والمتوسطة، وتحديث الإدارات العمومية، ها أنتم اليوم مستمرون في سياستكم التي بقدر ما هي منعدمة الفعالية، بقدر ما هي جائرة. لقد أصبح هذا الوضع لا يطاق بالنسبة لمواطنينا وللفاعلين الاقتصاديين ببلدنا. والسكوت عن هذا الوضع سيكون بمثابة تخلٍّ من قِبل “حركة ضمير”، وهو أمر لا يتماشى وفهمها للواجب الوطني.
هل نذكركم، السيد رئيس الحكومة، بالتزامكم – أنتم وحكومتكم – بتحقيق معدل نمو اقتصادي سنوي بوتيرة 4% وخلق مليون فرصة عمل صافية في نهاية ولايتكم؟ ليس ثمة عذر مرتبط بمخلفات الجائحة أو الاضطرابات الجيوسياسية الخارجية أو تقلبات التساقطات المطرية، يمكنه أن يبرر معدل نمو متواضع لم يتجاوز 1.3٪ في عام 2022 و2.9٪ في عام 2023، أو تدمير 181000 فرصة عمل صافية في الاقتصاد الوطني منذ توليكم رئاسة السلطة التنفيذية، في حين أن الحكومات السابقة التي عرفها المغرب منذ أكثر من عقدين من الزمن، خلقت جميعها، بدون استثناء، فرص عمل صافية خلال ولايتها. هل نذكركم أيضا بالتزامكم برفع معدل نشاط النساء إلى 30%، وانتشال مليون أسرة من الهشاشة والفقر، وتقليص مؤشر جيني إلى 39%، وتوسيع الطبقة الوسطى، وأداء دخلِ الكرامة الشهري لكبار السن الذين يبلغون من العمر 65 عاما فما فوق والذين لا دخل لهم، وهو ما سيكلف الميزانية العامة للدولة في نهاية المطاف مبلغ 28 مليار درهم سنويا.
إن قائمة التزاماتكم الحكومية طويلة، شأنها شأن قائمة تنازلاتكم السياسية. أما قائمة إخفاقاتكم في الحكامة العمومية فهي أطول. المشكلة بالنسبة لكم، السيد رئيس الحكومة، كما بالنسبة لمواطنينا ومقاولاتنا، الضحايا الجانبيين لسياساتكم، تتمثل في كون البيانات الإحصائية لاقتصادنا الوطني الصادرة عن المندوبية السامية للتخطيط وبنك المغرب، قد برهنت على التراجع المقلق الذي يعانيه المغرب في مختلف المجالات التي جعلتموها أولوية لبرنامجكم الحكومي، والتي ترجمتموها إلى التزامات رسمية. هذا هو الحال مع معدل نشاط النساء الذي انخفض إلى 19% أو معدل البطالة الذي ارتفع إلى 13%. إن وضعية 3.2 مليون مغربي الذين تدحرجوا تحت عتبة الهشاشة أو الفقر، إثر التأثير المشترك لجائحة كوفيد-19 والضغوط التضخمية، التي لم تتمكن حكومتكم من كبحها، هي دليل آخر على فشل سياستكم. ماذا يمكن أن نقول أيضًا عن إفلاس المقاولات الذي تفاقم بنسبة 15٪ في عام 2023 ليصل إلى حوالي 15000 وحدة، أو عن عجز الميزان التجاري الذي لا يزال عند مستوى مذهل، حيث أنه يتعدى 20٪ من الناتج المحلي الإجمالي، في سياق تقلبات شديدة في صادرات الفوسفاط والأسمدة والأحماض الفوسفورية، وتباطؤ، أو حتى تراجع، في قطاعات التصدير الأخرى باستثناء صناعة السيارات. فكيف يمكن تفسير استقرار الحصة النسبية للقيمة المضافة الصناعية في الناتج المحلي الإجمالي الوطني عند حوالي 15%، على الرغم من تنفيذ أربع خطط تصنيعية منذ عام 2005؛ أو تراجع القروض البنكية لتجهيزات الصناعات التحويلية إلى أقل من 20 مليار درهم، في وقت تمكنت البنوك من زيادة حجم قروضها لزبنائها ب 370 مليار درهم ليصل إلى 1.115 مليار خلال عقد واحد، إن لم يكن بسبب إحجامها عن مواكبة سياسة الدولة التصنيعية. وكيف لا نقلق من تفاقم الديْن العمومي الذي بلغ مستويات غير مسبوقة (1.196 مليار درهم في نهاية يونيو 2023، أو 90% من الناتج المحلي الإجمالي)؛ أو ما تسميه حكومتكم “التمويل المبتكر”، وهو مبتكر بالاسم فقط، فيما يتعلق بعمليات إعادة التأجير الأساسية التي مكنت من تفويت أكثر من 100 مليار درهم من أصول الدولة إلى الرأسمال الخاص في ظل تعتيم كامل ودون ترخيص مسبق من ممثلي الأمة؟ كيف لا نذكر بفشل حكومتكم في الاضطلاع بالتوجهات الأساسية للرؤية الاستراتيجية لإصلاح التعليم 2015-2030، مع أن خطوطها الكبرى متضمنة في القانون الإطار 51.19 الملزم الذي صدر قبل 5 سنوات، وظل حبرا على ورق إلى اليوم – باستثناء بعض التدابير المجددة المسجلة – الأمر الذي ساهم بشكل كبير في تدهور المناخ الاجتماعي في قطاع التعليم وفي الأشهر الثلاثة من الإضراب شبه المستمر في قطاع التربية الوطنية، والذي ستكون عواقبه التربوية بلا شك ضارة للغاية بالعملية التعليمية، دون إغفال إضراب طلاب الطب وطب الأسنان والصيدلة، مما ينذر بخطر سنة بيضاء في المغرب.
حكومتكم لا تتوقف أبدا عن الحديث عن الانفتاح الاجتماعي، ولا شك أنها تهدف إلى ضبط السخط والقلق المتزايد، ولكن المعارضة البرلمانية وكذلك الفرقاء الاجتماعيين، ولا سيما النقابات، غالبا ما يكون لديهم انطباع بأن المناقشات لا جدوى منها، بسبب ضعف الثقافة السياسية لحكومتكم، وبعض العناد الأيديولوجي الذي تظهره، ولنقل، اقتناعها بحصانة السلطة التي تمارسها، وهي سلطة مفرطة تم اكتسابها في 8 سبتمبر 2021 في الظروف الانتخابية التي نعرفها. يشعر العديد من الفاعلين السياسيين والنقابيين بأن الحكومة تسخر منهم وأن حقوقهم الدستورية تنتهك. ما هي حالتهم الذهنية اليوم، في وقت يشعرون فيه أنهم ضحية خدعة؟
إن مؤاخذاتنا على حكومتكم، السيد رئيس الحكومة، عددها كبير وعواقبها وخيمة، وبعضها أشدُّ ضررا من بعض على المواطنين وعلى المقاولات بالمغرب. ولكن هناك مأخذ يرمز إلى فشل سياستكم: وهو يتعلق – كما قد خمنتم بدون شك – بقضية المحروقات ومصفاة النفط المغربية “لاسمير”. هذا الملف، الذي أنتم طرفٌ فيه شخصيا بحكم مصالحكم التجارية الخاصة، كان ينبغي أن تتخذوا بصدده إجراء التنحي بمجرد توليكم منصب رئيس السلطة التنفيذية، كي تتجنبوا خطر حيازة مصالح بشكل غير قانوني. إن تضارب المصالح يتم تحديده في هذا الشأن من خلال بناء قانوني ومالي بسيط، بصفتكم المساهم الأكبر في المجموعة النفطية الأولى في المغرب. غير أنكم لم تقوموا بأي مبادرة في هذا الاتجاه.
القانون لا يجبركم على ذلك. هذا صحيح! ولكن، في ظل وجود نظام تشريعي غير مكتمل واضطراب خطير لدى الرأي العام، علاوة على استنزاف قوته الشرائية بسبب ارتفاع أسعار الوقود السائل، كان عليكم، بحكم متطلبات القيم الأخلاقية والسياسية، الابتعاد عن هذا الأمر وعدم المشاركة شخصيًا في أي قرار متعلق بالسياسة العامة له صلة مباشرة أو غير مباشرة به. لكنكم لم تفعلوا ذلك! إن التاريخ المعاصر لبلادنا سوف يتذكر هذا كواقعة بارزة بالنسبة لعملكم على رأس الحكومة.
ولكن لنعد الآن إلى جوهر الموضوع. لقد لاحظنا العديد من الإخفاقات من جانب حكومتكم، والتي كانت لوحدها تبرر تقديم ملتمس رقابة ضدها في البرلمان. ودون العودة إلى أصول إفلاس “لاسمير”، الذي تقع مسؤولياته المباشرة على عاتق المساهمين الأجانب من القطاع الخاص وإدارة المصفاة، فمن الواضح أن المسؤولية غير المباشرة تقع على عاتق الإدارات الوزارية الوصية، والتي كان بعضها تحت تصرف وزراء ينتمون إلى حزبكم السياسي، وهو أمر لا جدال فيه.
لقد فشلوا في مسؤوليتهم عن المراقبة الصناعية والبيئية والمالية لهذه المصفاة، وفشلوا في القيام بواجبهم في مراقبة التطبيق السليم لأحكام دفتر تحملات الخوصصة. أنتم على علم، السيد رئيس الحكومة، أن وزارات الطاقة والمعادن، والاقتصاد والمالية، والتجارة والصناعة، كانت مسيرة خلال العقدين الماضيين من قبل أعضاء بارزين في حزبكم، أسماؤهم معروفة لدى الجميع. وهذا دليل ٌعلى التأثير الملحوظ لحزبكم في تسيير هذه الإدارات الوزارية الثلاث، وهو التأثير الذي تضاعف اليوم عشرة أضعاف في ظل الحكومة التي تقودونها.
وإذا كان تحرير قطاع المحروقات، في ديسمبر 2015، في عهد حكومة بنكيران، قد مكن من تخفيف الضغط على صندوق المقاصة وتقليص عجز الميزانية تبعا لذلك، إلا أن آثاره كانت كارثية على القدرة الشرائية للمواطنين وعلى القدرة التنافسية للمقاولات الصغيرة والمتوسطة. وفي الواقع، فإن عدم وجود تدابير الدعم، من خلال المساعدات المباشرة للأسر الأكثر هشاشة، وغياب تقنين السوق، حيث كان مجلس المنافسة غير فاعل آنذاك، فتحَ الطريق أمام ممارسات مضرة منتهكة لقانون حرية الأسعار والمنافسة. وهو ما أقر به في النهاية الفاعلون الرئيسيون في قطاع النفط، بعد ما سبق أن نفوه مرارا. والحال، أن هذا الاعتراف تم في ظل منظومة تشريعية يسهل اختراقها، تسمح بـ “الصفقة الودية”، حسب المصطلح المستخدم من قبل مجلس المنافسة، أو بالأحرى، وبعبارة ملطفة، بترتيبٍ موات للغاية لمرتكبي جناية الممارسات المضادة للمنافسة. وتجدر الإشارة هنا إلى أنه على إثر الاختلالات الداخلية التي شهدها مجلس المنافسة شهر يوليو 2020 وتقديم تقرير التدقيق اوالتفتيش من قبل اللجنة المخصصة المكلفة بالتحقيق في هذه الاختلالات، أعطى جلالة الملك توجيهاته السامية لحكومة العثماني لإجراء إصلاح عميق لقانون المنافسة. لكن وأمام مسلسل المماطلة في هذا الشأن، فإن حكومتكم هي التي ورثت هذا الملف، وقامت وبدون إجراء التنحي، باستصدار قانونين غير مكتملين من قبل أغلبية برلمانية مريحة. أما أوجه القصور في هذين القانونين فهي متعددة ووخيمة العواقب: مثل الحد من علنية قرارات المجلس بحيث لا يتم الكشف عن “الأسرار التجارية”، والعقوبات الجنائية ضد أعضاء المجلس الذين يكشفون محتوى المداولات، والسلطة غير المتناسبة الممنوحة للمقرر العام ليقترح على المجلس غرامات دون أي قيود أو تخفيض جذري في أساس حساب رقم المعاملات المستخدم لتحديد العقوبة. ولولا هذه العيوب التشريعية، كان من الممكن أن تكون غرامة المعاملات المتواضعة التي بلغت 1.84 مليار درهم، في مستوى مختلف تماما وكان من الممكن أن تضمن إيرادات استثنائية لماليتنا العمومية. ولنذكر، في هذا الصدد، أن اللجنة الإستطلاعية البرلمانية حول المحروقات، التي قدمت تقريرها في ماي 2018، قدرت الأرباح غير المشروعة للقطاع بنحو 17 مليار درهم على مدار عامين ماليين فقط؛ وهو مبلغ يصل إلى ما يقارب 60 مليار درهم مع نهاية 2023 حسب تقديرات الجبهة الوطنية لإنقاذ المصفاة المغربية للبترول لاسمير.
تتوفرون اليوم، كما كان بالأمس، السيد رئيس الحكومة، على أدوات تشريعية تسمح لكم بالتدخل بسرعة لوضع حد للاضطراب المسجل في قطاع المحروقات. لكن التاريخ سيسجل بأنكم رفضتم، سواء خلال الولاية التشريعية السابقة في ظل حكومة العثماني أو في ظل الحكومة الحالية مع حكومتكم، رفضتم دعم قانونين اقترحتهما أحزاب سياسية، أحدها يشارك اليوم في أغلبيتكم الحكومية. وهو مقترح قانون يتيح تحديد سقف لأسعار وهوامش أرباح المحروقات لمدة ستة أشهر قابلة للتجديد، بموجب أحكام المادة 4 من قانون حرية الأسعار والمنافسة، ومشروع قانون آخر يهدف إلى نقل أصول مصفاة “لاسمير” إلى الدولة لتمهيد الطريق لاستئناف نشاط تكرير النفط في المغرب. لكن إصراركم على منع هذه المبادرة البرلمانية المزدوجة، رغم أنها في صالح القدرة الشرائية للمواطنين ولتنافسية المقاولات، هو إصرار يتناقض بشكل أساسي مع مفهوم المصلحة العامة التي يفرضها عليكم المنصب الذي تشغلونه. كما أننا لا نفهم لماذا ظل الترخيص الذي منحته المحكمة التجارية بالدار البيضاء في مايو 2020 لحكومة العثماني لتأجير صهاريج تخزين “لاسمير”، ظل حبرا على ورق بسبب تقاعس هذه الحكومة. كان من الممكن أن يسمح لنا هذا الإيجار بتوفير مخزون يزيد على مليوني طن من النفط المكرر بسعر منخفض بشكل استثنائي في حدود 20 دولارًا للبرميل من النفط الخام، لكن المكتب الوطني للمحروقات والمناجم الذي كان مكلفاً بالتوقيع على عقد الإيجار لصالح الدولة لم يقم بذلك، مما دفع المحكمة التجارية المذكورة إلى إلغاء الترخيص في مايو 2021 ومن ثم منحه (في مايو 2023) لشركة خاصة مزدهرة الآن في سوق المحروقات. وهل من الضروري، هنا أيضا، أن نذكركم، السيد رئيس الحكومة، بأن المكتب الوطني للمحروقات والمناجم ترأسه عضوة بارزة في المكتب السياسي لحزبكم، وهي أيضا وزيرة سابقة للطاقة.
لقد امتنعتم عن التدخل في بعض الجوانب الأساسية في هذا الملف، في حين أن المهمة العامة التي أنتم مسؤولون عنها تتطلب منكم إعطاء توجيهات واضحة لوزارة الاقتصاد والمالية من أجل القيام بخطوات للتقصي. ونقصد هنا، وقد فهمتم ذلك، الرأي الصادر عن مجلس المنافسة، بتاريخ 31 غشت 2022، بشأن الإحالة الذاتية المتعلقة بأسعار المحروقات، والذي تضمن عدة مناطق رمادية مسكوت عنها. وكان من مسؤولية الحكومة إماطة اللثام عن عناصر الغموض هذه، عن طريق إرسال بعثات تدقيق حسابات من قبل الهيئات المختصة في الإدارة العليا، وبالخصوص من قبل المديرية العامة للضرائب وإدارة الجمارك ومكتب الصرف. يبقى السؤال الأساسي الذي لم يجب عنه رأي مجلس المنافسة المذكور أعلاه، معلقا، وبالتالي، يعود لحكومتكم أمر تنوير ممثلي الأمة والرأي العام بهذا الخصوص: كيف لهامش الاستيراد الخام عند فاعلٍ بسيط – هو وينكسو – (0.83 درهم لكل لتر من الغازوال، و1.18 درهم لكل لتر بنزين في 2019) أن يكون أعلى من هامش عملاق القطاع (أفريقيا الشركة المغربية لتوزيع الوقود SMDC: على التوالي 0,58و0.83 درهم)؟ وفي غياب رد إداري محايد وشفاف على السؤال المطروح، فإن خطر تحول هذا اللغز المالي إلى فضيحة سياسية لم يعد ضرباً من الخيال.
إن المغاربة ينتبهون إلى خطب جلالة الملك التي يؤكد فيها، على الحماية الضرورية للسيادة الوطنية كأداة لضمان الأمن الاستراتيجي للمغرب؛ سيادة ذات أبعاد متعددة، تهم الغذاء والصحة والطاقة والصناعة والرقمنة وبالطبع المالية. غير أن السياسة الطاقية التي تنتهجها حكومتكم تعاني من نقطة ضعف تتمثل في تجاهل الرهانات الحقيقية للسيادة الطاقية، وفي الاعتبار الخاطئ بأن الحل السحري يكمن في تطوير الطاقات المتجددة والهيدروجين الأخضر. فإذا كانت استراتيجية تنمية الطاقات النظيفة ذات أهمية استراتيجية لا جدال فيها، فإن الانحياز المفرط تجاهها سيكون ضارًا باقتصادنا، لأن وزيرتكم المكلفة بالانتقال الطاقي والتنمية المستدامة، على ما يبدو، غير مدركة أن الوقود الأحفوري لا يزال يمثل الجزء الأكثر أهمية في باقة الطاقة والكهرباء، سواء في المغرب أو في العالم. وبالفعل فإن الطاقة الأحفورية تمثل الآن نحو 83% من المزيج الطاقي العالمي، مقابل حوالي 93% في السبعينيات، أي بانخفاض قدره عشر نقاط في نصف قرن فقط. أما بالنسبة لمزيج الطاقة بالمغرب، فيظل خاضعا للطاقة الأحفورية والمحـروقات على وجه الخـصوص إلى حـد كبير، بحـصة تـبلغ 90.9 %، منها 51,4% للنفط، و36,1% للفحم، و3.4% للغاز الطبيعي، مقابل 6.1% للطاقة الريحية، و2.2 % للطاقة الشمسية، و1.0 % للطاقة المائية.
في ظل هذه الظروف من الاعتماد الشديد على الطاقة الأحفورية، كيف يمكننا بناء سياسة عمومية طموحة للطاقة على 9٪ فقط من باقة الطاقة وترك الـ 91٪ المتبقية في قبضة حفنة من الفاعلين الخواص، الذين وصفهم عضو بارز في أغلبية حكومتكم بـ “الجشعين”، خلال الحملة الانتخابية في شتنبر 2021؟ وبالإضافة إلى القبول الضمني للاضطراب الذي عرفه القطاع من خلال الممارسات غير الشريفة للمنافسة التي أقر بها مرتكبو الجرم، فإن سياستكم تؤدي إلى تفاقم التبعية الطاقية وإلى هشاشة بلدنا، كما تترتب عنها زيادة تدهور ميزاننا التجاري الذي يتحمل ما بين 120 و150 مليار درهم من واردات المنتجات النفطية المكررة سنويا.
السيد رئيس الحكومة،
إن “حركة ضمير” ليست بحاجة لأن تعيد على أسماعكم أنها منحازة منذ تأسيسها لتسوية المشاكل السياسية والاجتماعية عن طريق الحوار والتفاوض. وهي قناعة عملنا على تفعيلها في مختلف النزاعات الاجتماعية. غير أن تصورنا للحوار والتفاوض مختلف، يقوم على الاحترام المشترك والثقة المتبادلة بين الشركاء السياسيين والاجتماعيين، وكذلك على شفافية البيانات الاقتصادية والمالية. لكن ما الذي نعاينه؟ نعاين رفض إعادة النظر في اختياراتكم المتعلقة بالسياسة الضريبية غير العادلة؛ نعاين رفض حماية القدرة الشرائية للمواطنين؛ نعاين الإحجام عن وضع حد لعدم مصداقية بيانات المالية العامة المتداولة؛ نعاين غياب إطلاق الإصلاحات الكبرى المنصوص عليها في القانون الإطار رقم 51.17 المتعلق بمنظومة التربية الوطنية والتكوين؛ نعاين رفض تحديد سقف لهوامش الربح وأسعار المحروقات؛ نعاين رفض إنقاذ مصفاة النفط المغربية الوحيدة؛ رفض إصدار قانون لمكافحة الاغتناء غير المشروع؛ رفض مكافحة تضارب المصالح؛ رفض تطبيق النموذج التنموي الجديد. حيال هذا الوضع، السيد رئيس الحكومة، تبادر حركة ضمير – عبر رسالتها المفتوحة هاته – إلى إثارة انتباه الرأي العام وإلى المساهمة في بروز سياسة مغايرة. وإذ تتوجه إليكم بهذه الوسيلة، فلأنها تريد أن تُشهد عليكم كبار مسؤولي الدولة والشعب إلى جانبهم. وإذ نبادر إلى ذلك، فنحن لا وهم لنا في تحقيق نجاح مطلق لتنبيه الرأي العام، ولا في صحوةِ روح المسؤولية في أوساط البرلمان، الذي يكافئكم بأغلبية عددية مريحة مطواعة. إنه الإرث الثقيل الذي تركه موعد 8 شتنبر 2021. نحن نعلم جيدًا ما يمكن أن تكون عليه نتيجة هذه المبادرة. ولكن، من يمكنه حقا، أن يلومنا على استخدام وسيلة ديمقراطية بامتياز يمنحها لنا الدستور للتعبير، من هذا المنبر، عن أفكار جمعيتنا، وعن أفكار جزء كبير من المجتمع المغربي، حسب ما نعتقد.
إن النقاش الذي نأمل أن نطلقه على هذا النحو، سيسمح لكل فرد بالتعبير عما يفكر فيه، وسيتيح للمغاربة أن يتبينوا حقيقة سلوك صناع القرار السياسي. إن زمن تطوير المقترحات خدمة للمصلحة العامة يوجد وراء ظهرنا اليوم. لقد أقدمنا على ذلك في الوقت المناسب، يوم نشرنا، في يوليوز 2019، مذكرة “من أجل نموذج تنموي جديد – المغرب الذي نريد”. ونأسف، في هذا الصدد، كون السلطة التنفيذية قررت تجاهل النموذج التنموي الجديد، كما اقترحته اللجنة الملكية آنذاك. لكننا اليوم، نطلق نداء إلى جميع المنتخبين الوطنيين، سواء الذين ينتمون إلى الأغلبية أو إلى المعارضة، وندعو البرلمانيين، كيفما كانت انتماءاتهم السياسية، إلى استنهاض روح مسؤوليتهم للاعتراف بوضوح بفشل سياسة الحكومة، ومنح المغاربة الأفق الذي يستحقونه، وهو أفق سلطة تنفيذية جديدة تخدم جميع المواطنين، وتعتمد سياسة للعدالة الاجتماعية والجبائية، ومتحررة من تضارب المصالح، ومصممة العزم على حماية سيادة بلدنا.
قد يعتبر البعض أن مبادرتنا غير ذات جدوى. غير أن يقينا واحدا يشكل حجر الأساس لأي خطوة سياسية. يتمثل ذلك في استحالة تعبئة طاقات الأمة بصدق، أو تجميع المغاربة بشكل دائم، حول سياسة قوية، إذا لم يتم تقليص الفوارق الاجتماعية والمجالية، بشكل حاسم، وإذا لم تكن السياسة المعتمدة في خدمة المجتمع. بيد أن سياستكم، كما ترون، السيد رئيس الحكومة، تجسد العكس تماما. إنها متساهلة بجرأة مع المِلكية الكبيرة لرأس المال وغير مساندة بشكل ممنهج للمأجورين والمقاولات الصغرى. إن الفلسفة السياسية والاقتصادية التي أنتم مخلصون لها، السيد رئيس الحكومة، ليست فلسفتنا. فعلى الرغم من كوكبة المادحين، فإن المغاربة يدركون جيدًا أن سياستكم تتناقض مع ما يتطلبه العصر الذي نعيشه والذي تتطلبه الأجيال الشابة التي تواجه المستقبل في عالم معرضٍ للايقين أكثر من أي وقت مضى. لكن، بعيدًا عن شخصكم، لن ينخدع أحد بأنكم تنفذون سياسة تأتي من مكان آخر، وهذه السياسة تخدم المصالح الخاصة المهيمنة وتسعى إلى إضفاء الشرعية على نفسها عبر إملاءات المؤسسات المالية الدولية، وتحديدًا تلك التي أنجبت إجماع واشنطن، بفكره الليبرالي الجديد المهيمن ونظريته المغلوطة عن التدفق، النظرية التي تزعم أن السياسة التي تشجع دَخْل الأغنياء، ولا سيما عن طريق خفض الضرائب المفروضة عليهم، تعود بالنفع على الاقتصاد بأكمله وعلى الفقراء. وبالتحديد، السيد رئيس الحكومة، إن رسالتنا المفتوحة تهدف إلى وضع حد لهذه الإملاءات والمساهمة في إعادة سيادة الشعب إلى الشعب”.