بين الرئاسة والبرلمان خطوة في الاتجاه الصحيح نحو تخليق الحياة العامة
ن عمر بالكوجا أكادير
في خطوة وُصفت بالجريئة والمُنظمة للمشهد السياسي المحلي، قررت وزارة الداخلية وضع حدٍّ لازدواجية المسؤوليات التي ظلت تُثير الجدل في المشهد الانتخابي المغربي، عبر منع رؤساء المجالس الجماعية والإقليمية والجهوية من الترشح لعضوية البرلمان مستقبلاً.
القاعدة الجديدة واضحة: “يا إمّا الرئاسة، يا إمّا البرلمان… واحد فيهم!”
هذه الخطوة التي قد تبدو بسيطة في ظاهرها، تحمل في عمقها تحولاً في فلسفة تدبير الشأن العام، إذ تضع حداً لتداخل الأدوار والمصالح، وتُلزم المنتخبين بالاختيار بين خدمة المواطن محلياً أو تمثيله وطنياً، بدل الجمع بين الصفتين وما يرافق ذلك من تضاربٍ في الالتزامات وضياعٍ في النجاعة.
لكن الأجمل والأكثر استحقاقاً، هو أن تُستكمل هذه الدينامية الإصلاحية بقرارات موازية، أهمها رفض ترشيح أي شخص متابع في قضايا كيفما كان نوعها، لأن من يتولى المسؤولية العامة يجب أن يكون نموذجاً في النزاهة والالتزام الأخلاقي قبل أن يكون صاحب برنامج انتخابي. فالثقة لا تُمنح لمن تُثار حوله شبهات أو ملفات أمام القضاء.
ومن جهة أخرى، سيكون من المنطقي – بل والضروري – تحديد عدد الولايات الانتدابية في اثنتين فقط، سواء على المستوى المحلي أو الوطني، لضمان تجديد النخب وإعطاء الفرصة للكفاءات الشابة والمؤهلة للمشاركة في القرار العمومي.
أما أجمل ما يمكن أن يواكب هذه الإصلاحات فهو منع أي حكومة أو مجلس منتخب من بيع أو تفويت ممتلكات وأراضي وشركات الدولة والجماعات الترابية بأي شكل من الأشكال، لأن الملك العمومي ليس ملكاً للحكومات المؤقتة، بل هو ملك للأمة وللأجيال القادمة، ولا يحق التصرف فيه إلا في إطار واضح يخدم المصلحة العامة وليس الصفقات الخاصة.
إن ما قامت به وزارة الداخلية اليوم ليس مجرد قرار إداري، بل هو تأسيس لمرحلة جديدة من تخليق الحياة العامة، تستعيد فيها السياسة معناها النبيل، وتسترجع المؤسسات المنتخبة هيبتها وفعاليتها.
الكرة الآن في ملعب الأحزاب والبرلمان والمجتمع المدني، لترجمة هذه الخطوات إلى إصلاحات قانونية ودستورية تضع حداً نهائياً لكل أشكال الريع والازدواجية والتنازع على المناصب.

































