لازالت الوضعية مقلقة لصناديق التقاعد المغربية بل أصبحت على حافة الإفلاس هذا كشفت عنه وزراة الاقتصاد والمالية التي قدمت كذلك الخطوط العريضة لوصفة الحكومة لإصلاح هذه الأنظمة، عبر عنصرين أساسيين، يتمثلان في الرفع من المساهمة إلى 28 في المائة، ورفع سن الإحالة إلى التقاعد إلى 65 سنة، وهي الخطة التي يرتقب أجرأتها ابتداء من ماي 2023.
وفي تشخيص لوضعية الصناديق المغربية للتقاعد، أوضحت وزارة الاقتصاد أنها على حافة الإفلاس، حيث بالنسبة لنظام المعاشات المدنية فإنه سيستنفذ احتياطاته المقدرة ب 68 مليار درهم بحلول سنة 2028، وللوفاء بعد ذلك بالتزاماته، سيحتاج الصندوق المغربي للتقاعد ما يناهز 14 مليار درهم سنويا لتمويل عجز النظام.
يعد هذا النظام حاليا متوازنا بالنسبة للحقوق المكتسبة بعد إصلاح 2016 بحيث أن الدين الضمني الحالي يهم بالخصوص الحقوق المكتسبة في الماضي.
أما بالنسبة للنظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد فسجل عجزا تقنيا مهما بلغ 3.3 مليار درهم سنة 2021، لكن بفضل المستوى المهم لاحتياطاته البالغة 135 مليار درهم، تمكن العوائد المالية للنظام من تغطية هذا العجز التقني. أما بالنسبة لنظام تقاعد أجراء القطاع الخاص فيتوفر على هوامش لإدراج إصلاحات مقياسية بالنظر إلى نسبة المساهمة بالنظام المحددة في 11.89 في المائة، وسن الإحالة على التقاعد المحددة في 60 سنة.
وينتظر أن يستعمل النظام احتياطاته قريبا، غير أن أفق استدامته يظل بعيدا نسبيا إلى غاية سنة 2038 نظرا لكون النظام غير منصف حيث يشترط على المؤمن له أن يتوفر، للاستفادة من معاش التقاعد، على 3240 يوما كحد أدنى من التصريح، أي ما يعادل في المتوسط 15 عاما من العمل، فضلا عن كون المحرك الديمغرافي الإيجابي يجلب السيولة للنظام حاليا ولكنه بالمقابل يثقل دينه الضمني.
وإلى جانب مشكل إفلاس الصناديق، فقد تضمن التشخيص واقعا سلبيا آخر، حيث إن أزيد من نصف المغاربة لا يستفيدون من التقاعد، إذ حسب معطيات وزارة الاقتصاد والمالية الرسمية، فإن 54 في المائة من المغاربة البالغين سن العمل لا يستفيدون من أي نظام للتقاعد. كما أن 6.3 مليون عامل غير متوفرين على التغطية الصحية.
وتقدر القوة العاملة بالمغرب 11 مليونا، فيما هناك 3.5 مليون شخص نشيط يشتغلون بالقطاع الخاص المهيكل، و178 ألف شخص هم مستخدمون عموميون، فيما يبلغ عدد الموظفين 970 ألف شخص.
وفي التفاصيل، فإن ضعف تغطية الأنظمة يحول دون حصول أكثر من نصف النشيطين، حوالي 54 في المائة، على حماية ضد أخطار الشيخوخة. كما أنه يسجل عدم تجانس على مستوى متوسط المعاشات الممنوحة، حيث تقدر ب 2022 درهم بالنسبة للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، و5678 درهم بالنسبة للنظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد، و7873 درهم بالنسبة لنظام المعاشات المدنية.
مشكل آخر ينضاف، يتمثل في عدم تجانس قواعد إعادة تقييم المعاشات: إذ بالنسبة لنظام المعاشات المدنية، فإن إعادة التقييم ليست تلقائية وتعود آخر إعادة تقييم إلى سنة 1997، في حين تتطلب إعادة التقييم إصدار مرسوم بالنسبة لأجراء القطاع الخاص، فيما تعود آخر عملية لإعادة التقييم إلى 2006 إن استثنينا الزيادة التي تم إقرارها شهر شتنبر 2022، وإعادة تقييم سنوية بالنسبة للنظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد. كما أن شريحة كبيرة من أجراء القطاع الخاص التي لا تستوفي شرط 3240 يوما للمطالبة بمعاش، وتكتفي بالحصول على اشتراكاتها الأجرية.
ولإصلاح صناديق التقاعد، قدمت اللجنة الوطنية المكلفة مجموعة من التوصيات سنة 2013، حيث قامت اللجنة بوضع خارطة الطريق لإصلاح منظومة التقاعد لاسيما من خلال التوصيات الأساسية التي من بينها، خلق نظام تقاعد بقطبين العمومي والخاص، وذلك في أفق وضع منظومة تقاعد بنظام أساسي موحد.
وبالنسبة للقطب العمومي، فأوصت اللجنة بخلق نظام أساسي مسقف باستحقاقات محددة ونظام تكميلي إجباري مسقف مبني على الرسملة، فيما بالنسبة للقطب الخاص، أوصت بخلق نظام أساسي بسقف منخفض يشمل الأجراء وغير الأجراء مع وضع أنظمة تكميلية اختيارية.
كما أوصت اللجنة الوطنية لمنظومة القطبين بالإصلاح المقياسي لنظام المعاشات المدنية في 2013. وفي 2016 أوصت بتنزيل الإصلاح المقياسي لنظام المعاشات المدنية الذي مكن من تأجيل أفق استدامة النظام من 2022 إلى 2028 من خلال الرفع التدريجي لسن التقاعد إلى 63 سنة، ورفع نسبة المساهمة من 20 في المائة إلى 28 في المائة، وتحديد المعاش على أساس 2 في المائة عوض 2.5 في المائة، وتوسيع قاعدة تصفية المعاشات إلى متوسط الراتب خلال الثمان سنوات الأخيرة من الخدمة الفعلية.
وتم خلال 2017 المصادقة على القانون رقم 99.15 بإحداث نظام للمعاشات لغير الأجراء، وإطلاق دراسة لبلورة تصميم دقيق لمنظومة التقاعد المستهدفة. وفي 2020 دخل نظام المعاشات لغير الأجراء حيز التنفيذ. وفي 2021: بدء الإصلاح المقياسي لنظام منح رواتب التقاعد.
واقترحت الخطة الحكومية اعتماد سقف موحد للنظام الأساسي يساوي مرتين الحد الأدنى للأجور بكل من القطب العمومي والقطب الخاص وذلك لتسهيل المرور مستقبلا نحو نظام أساسي موحد. وتقليص نسب الاستبدال لأصحاب الأجور المرتفعة في القطاع العمومي، مع تجويد الحقوق المكتسبة في الأنظمة الحالية وعدم إعادة تقييم المعاشات على مدى 10 سنوات القادمة. كما اقترحت أيضا رفع سن التقاعد إلى 65 سنة بما في ذلك القطاع الحاص، ورفع نسب الاشتراكات بما في ذلك القطاع الخاص.
وبالنسبة للجنة إصلاح أنظمة التقاعد المنبثقة عن الحوار الإجتماعي، فتتولى تتبع إصلاح منظومة التقاعد، وتترأس هذه اللجنة وزيرة الاقتصاد والمالية وتتألف من ممثلي الدولة وهيئة مراقبة التأمينات والاحتياط الاجتماعي وصناديق التقاعد، وممثل المركزيات النقابية الأكثر تمثيلية، وممثلي المنظمات والجمعيات المهنية للمشغلين.
ويمكن تنظيم اللجنة في إطار لجنتين فرعيتين، الأولى مخصصة للقطب العمومي والثانية للقطب الخاص: وترتكز مهام اللجنتين الفرعيتين بشكل أساسي على تحيين التشخيص والوضعية الحالية لأنظمة التقاعد، ومناقشة سيناريوهات الإصلاح المقترحة من قبل الدراسة، والاتفاق على التوجهات الاستراتيجية لإصلاح التقاعد، وبالتالي بلورة الإطار العام للإصلاح وخارطة الطريق لتنزيله وذلك قبل الجولة المقبلة للحوار الاجتماعي.