أقسام المستعجلات في المغرب بين الواقع المرّ وخطط الإصلاح: هل تنقذ خطة التهراوي ما أفسدته سنوات من الإهمال؟
في اعتراف نادر من مسؤول حكومي، أقرّ وزير الصحة والحماية الاجتماعية، أمين التهراوي، خلال جلسة الأسئلة الشفوية بمجلس المستشارين أمس الثلاثاء، بأن أقسام المستعجلات بالمستشفيات العمومية المغربية تعيش وضعًا متدهورًا ينعكس مباشرة على ثقة المواطنين في المنظومة الصحية برمتها.
الوزير لم يُخفِ صعوبة الوضع، مشيرًا إلى أن هذه الأقسام تواجه اختلالات هيكلية حادة تتجلى في الاكتظاظ المزمن، وضعف التنظيم الداخلي، والنقص الكبير في الموارد البشرية والمعدات الأساسية. وأكد أن عدد الأطباء المتخصصين في طب المستعجلات لا يتجاوز ثلاثين طبيبًا فقط على الصعيد الوطني، وهي حصيلة تعكس عمق الأزمة في قطاع حيوي يُفترض أن يكون خط الدفاع الأول عن صحة المواطنين.
خطة استعجالية من عشرة أسابيع لإعادة التوازن
أمام هذا الواقع، أعلن الوزير عن خطة استعجالية تمتد لعشرة أسابيع تروم إعادة تنظيم استقبال المرضى عبر اعتماد نظام فرز للحالات حسب درجة الخطورة، وتوحيد البروتوكولات الطبية داخل جميع المستشفيات العمومية، إلى جانب تحسين ظروف العمل وتجهيز قاعات الانتظار والاستراحة، وتعزيز حضور الأطباء والممرضين في مصالح المستعجلات على مدار الساعة.
كما تعهد التهراوي بإطلاق إصلاح هيكلي على المدى المتوسط يشمل مراجعة مسارات تكوين الأطباء في تخصص طب المستعجلات، وتطوير شبكة النقل الصحي (SAMU) وربطها بالملف الطبي الرقمي لتسهيل تتبع الحالات وضمان استمرارية الرعاية.
أزمة تتجاوز الطب إلى السياسة الاجتماعية
ورغم واقعية هذه الوعود من الناحية التقنية، إلا أنها تأتي في سياق اجتماعي مشحون تهيمن عليه احتجاجات ما يُعرف بـ”جيل زيد”، وهي حركة شبابية تعبر عن فقدان الأمل في المرافق العمومية وعلى رأسها الصحة والتعليم. بالنسبة لهؤلاء المحتجين، لا تكفي الخُطط المتسارعة والبيانات الحكومية لطمأنتهم، ما لم يلمس المواطن تحسنًا ملموسًا في الخدمات اليومية، خصوصًا في أقسام المستعجلات التي تمثل الواجهة الأولى لمعاناته مع المنظومة الصحية.
مستشفى الحسن الثاني بأكادير نموذج للأزمة
وتجلت هذه الأزمة مؤخرًا في احتجاجات شهدها المستشفى الجهوي الحسن الثاني بأكادير، حيث نُظمت وقفات غاضبة من طرف المرضى وذويهم، احتجاجًا على تدهور الخدمات وغياب الأطر الطبية وتراكم الحالات في ظروف وُصفت بغير الإنسانية. صور المرضى وهم ينتظرون ساعات طويلة على الأرض أو في الممرات وسط نقص حاد في التجهيزات تحولت إلى رمز مؤلم لأزمة مستعصية لم تعد تخفيها البيانات الرسمية.
تقارير رسمية تدق ناقوس الخطر
وكان المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي قد أصدر تقريرًا رسميًا يؤكد أن جودة التكفل في أقسام المستعجلات تظل دون المعايير الدولية، مشيرًا إلى ضعف التنسيق بين خدمات الإسعاف (SAMU) والمستشفيات العمومية والخاصة، إضافة إلى تجهيزات مهترئة لسيارات النقل الصحي، ما يجعل مسار المريض نحو العلاج محفوفًا بالمخاطر والتأخير.
تصريحات سابقة وتناقضات متجددة
وسبق للوزير السابق خالد آيت الطالب أن أقرّ هو الآخر بمعاناة المستعجلات، مؤكدًا أن نحو 80% من الحالات الوافدة ليست استعجالية فعليًا، وهو ما يخلق ضغطًا كبيرًا على الطواقم الطبية ويؤدي إلى تراجع جودة الخدمات المقدمة.
ثقة المواطن… التحدي الأكبر
يرى متتبعون للشأن الصحي أن ما يحدث في أقسام المستعجلات لا يمكن اختزاله في أزمة تنظيم أو تجهيز، بل هو انعكاس لأزمة ثقة أعمق بين المواطن والدولة في حقه الدستوري في العلاج الكريم. فحين يتحول البحث عن سرير أو طبيب إلى معركة يومية، تصبح كل خطة إصلاحية، مهما بلغت دقتها، رهينة بمدى قدرتها على تغيير الواقع الملموس وليس فقط تحسين المؤشرات على الورق.
نحو استعجال سياسي قبل الإصلاح التقني
الواقع، كما يصفه الخبراء، لا يحتاج فقط إلى ترميم الجدران والمعدات، بل إلى استعجال سياسي حقيقي يعيد ترتيب أولويات الدولة حول كرامة المواطن وصحته، ويجعل من المستعجلات فضاءً يحفظ حياة الناس لا امتحانًا لصبرهم.