وسط المملكة أكادير .. صرخة العمال العرضيين بين جدران الصمت وقوانين النسيان
تحت شمس أكادير اللاهبة و برد الليل، يجثم العمال العرضيون أمام القصر البلدي كالتماثيل الصامتة، لكن قلوبهم تهتف بالعدالة. صائمون يُفطرون على أملٍ ضئيل، وكسرة خبز تذوب فيها مرارة سنوات من الانتظار. ليست هذه مجرد احتجاج عابر، بل هي ملحمة إنسانية تكشف عن جرح نازف في جسد “المجتمع الاجتماعي” الذي تتغنّى به الخطابات الرسمية. فكيف لمدينة تُلقّب بـ”لؤلؤة الجنوب” أن تدفن لآلئها البشرية تحت ركام الإهمال؟
▪︎الوجه القبيح للعرضية: عقد من الظلم في مواجهة دقيقة من الصمت
إنهم عمال النظافة، حرّاس المدينة الذين يُزيّنون شوارعها بينما تُزيّنهم شتائم “العرضية”. عشرون عاماً من الكدّ، يُسجّلون فيها حضورهم يومياً بسجلات الأتربة، لكنهم غائبون عن سجلات القانون. مطالبهم؟ ليست سوى حروف أولى من أبجدية المواطنة:
– الحماية الاجتماعية كحقٍّ دستوري (الفصل 31) لا كمنّة، فكيف يُطالبون بالتغطية الصحية وهم يُعالجون جراحهم بضمادات الصبر؟
– استقرارٌ وظيفي يُنهي مسرحية “العرضية” التي حوّلتهم إلى ممثلين دائمين في دراما البؤس.
– أجرٌ يليق بإنسان، فـ2200 درهماً ثمنٌ بخس لكرامة تُباع في السوق السوداء للقوانين.
▪︎النفاق القانوني: عندما تتحوّل المواثيق إلى حبر على ورق
الدولة ترفع شعار “تعميم الحماية الاجتماعية”، لكن العمال يرفعون أكفّهم إلى السماء يسألون: “أين نحن من هذا الخطاب؟”. صندوق التنمية الاجتماعي (FSD) يُشبه “طبقاً فضياً” مُقدّماً للفقراء، لكنه فارغ من العدالة. والأمر الأكثر إيلاماً هو ذلك التناقض الصارخ:
– قانون الشغل يُحدّد الحد الأدنى للأجور بـ3500 درهم (في الزراعة)، بينما العمال يُحاكمون بـ”قانون الصمت” في وضح النهار.
– الدفع “بالكاش” في الشارع جريمةٌ مزدوجة: تهربٌ من القانون، وإذلالٌ للإنسان.
▪︎ مسرح المسؤوليات: من يقف خلف الكواليس؟
الجماعة الحضرية تُدارك أزمات البنية التحتية، لكنها تنسى أن “البنية الإنسانية” تنهار. النقابات تُطلق بيانات التنديد، لكن صوتها لا يتجاوز أوراق المؤتمرات. الإعلام يمرّ كالعارضة، يلتقط صورةً في رمضان ثم يغيب كأن القضية “موضة قديمة”. أما الوزارة الوصية، فكأنها تُمارس سياسة “الرؤية من خلال الغيبوبة”.
▪︎ الاعتصام.. وجبة إفطار من دموع الملح
الإفطار الجماعي في ساحة الاعتصام مشهدٌ يُختزل فيه كل المعاني: التوادّ حين يتقاسموا لقيماتهم، التراحم حين يُسدّد أحدهم عن آخر فاتورة دواء، التلاحم حين يُحوّلوا صيامهم إلى سلاح. لكنّ رمزية المشهد لا تكفي، فالمطلوب:
– صحافة ضمير تُحول القضية من “خبر عابر” إلى “قضية رأي عام”.
– نقابات حقيقية ترفع القضية إلى المحاكم لا إلى صفحات الفيسبوك.
– تعبئة وطنية تُذكر الجميع بأن “العمال ليسوا عَرَضاً في المعادلة، بل هم المعادلة نفسها”.
《”لا يُقاس تقدم الأمم بعلوّ أبراجها، بل بعلوّ كرامة عمالها”.》
فهل تُغيّر أكادير – ذات الغروب الساحر – من سيناريو غروب حقوق الإنسان على أرصفتها؟ السؤال يُطرح على ضمائر المسؤولين، قبل أن يُطرح على أوراق القوانين.